البحث عن السعادة
ليست السعادة سلعة قابلة للشراء ، ولا هي مجرد ثروة نقتنيها ، ولا قصر منيف نسكن فيه ولا طعام لذيذ نتذوقه ولا شراب سائغ يروي ظمأنا ، رغم أنها أسباب تخفف عنا وطأة المعاناة . ان السعادة احساس داخلي بالراحة والطمأنينة يرافقها فرح وسرور ينبثق من أركان البدن . فها أنت تفتقد السعادة حينما تطأك مظلمة ، وها أنت تفتقدها أيضا اذا رحل عن الحياة أحد من أحبائك ، كما تفتقدها أن أصابت علة مستعصية أقرب الناس اليك . غير انك تفرح الفرح كله اذا جاءك أول مولود ،وتفرح اذا نجح ابنك في مشواره الدراسي ،كما تفرح أيضا حينما يتحقق العدل من حولك فيكون لك وطن آمن ينعم أبناؤه بالخير والرفاه . اننا نسعد حقا كلما رأينا بارقة أمل تعيد الحياة الى هذا الوطن الذي كثرت جروحه ومعاناته .. نسعد كلما علا شأنه وارتفع نجمه ،وبات الجميع على قلب رجل واحد لا يفرقهم شيء مهما كانت دوافعه . حينذاك فحسب تصفو القلوب ويسود الحب والوئام وترفرف السعادة بجناحيها على أبناء الوطن . والبحث عن السعادة ليست مهمة شاقة اذ المسألة بأيدينا في أغلب الأحيان ، فالتفاؤل وحده قد يعيد الينا السكينة والراحة ، أما التشاؤم فيزرع في نفوسنا الاحباط ليس غير . اننا كلما نظرنا الى الحياة بمنظار وردي نكون قد أزحنا المنغصات التي قد تواجهنا بين حين وحين .. ذلك أننا سنفتح قلوبنا للأشياء الجميلة التي تحيطنا ونكون قد وفرنا الأسباب اللازمة للسعادة التي نرجوها ، وحينئذ فحسب سيكون لحياتنا معنى آخر . ومع ذلك فان حياتنا مرهونة بالضربات التي يفاجئنا بها القدر أحيانا فتتلاشى به أحلامنا وتطلعاتنا . ذلك أننا اذا فقدنا من نحبه فان الحزن سيغلب علينا فتتلاشى السعادة التي كانت بين أيدينا .. وأنه اذا حلت بنا كارثة غير متوقعة فان باب السعادة سيكون مغلقا ، أما اذا جثم على صدورنا حاكم ظالم مستبد يخنق أنفاسنا ويغتال حريتنا فان الحياة ستكون جحيما لا يطاق . ويبقى البحث عن السعادة هو الأمل الذي يراودنا والحلم الذي ننشده على الدوام . ولعل الحلم وحده يعطينا جرعات من الأمل حتى نرى الحياة ربيعا دافئا ، أرضه بساط أخضر وأشجاره مورقة مثمرة ، وهذا أقل ما يمكن أن يحتوينا من شعور لنكون قاب قوسين أو أدنى من السعادة .