- آباء وأبناء -
كانت سلطة الأب في أسرته لا يتحداها أحد ولا يقف بوجهها أحد ، سلطة قوية رادعة تفرض على الأبناء الخوف والاحترام معا .. حتى الزوجة كانت تتقهقر أمام هذه السلطة . ورغم ما في هذه القسوة من مساوئ الا أن الأسرة ظلت متماسكة البنيان متعاطفة فيما بينها ، ليس ثمة شرخ في علاقاتها . يبقى الأب سيد الموقف مطاعا مهابا ، وهو مع ذلك يحمل في قلبه نزعة الحنان غير أنه يكتمها فلا يبديها ، انه يأمل أن يكون أبناؤه رجالا أقوياء دون ضعف ، من غير أن يتناسى ارشادهم الى الخلق الرفيع . وسلوك الآباء هذا مع أسرهم في الواقع فيه تطرف لأنه يكتم الأفواه ويقيد الأنفاس ويصادر الحريات لينشأ الأبناء في أجواء خوف مستمر قد يدمر احساسهم وكيانهم ليفقدوا الثقة حتى في أنفسهم ، وكان جديرا بالأب أن يستخدم اللين في موضعه والشدة في موضعها ، أما أن يكون شديدا طيلة الوقت فهو موقف فيه تجاوز على حقوق الأبناء . فلما ذهب ذلك الجيل جاء آباء يتعاملون مع أبنائهم بنمط آخر فيه لين وضعف بل لا مبالاة لتكون للأبناء الحرية المطلقة في السلوك ، واذا بهم يقفون وجها لوجه مع آبائهم في صراعات وتحديات لا تنتهي لتبدأ بعدها مشكلات لا حصر لها . ويأتي اذعان الآباء لأبنائهم كعلامة ضعف وتهاون فيه ما فيه من المساويء على مستقبل جيل لا يعرف حدوده متجاوزا رغباته وحقوقه . من جانب آخر أنه اذا تفاقمت المشكلات داخل الأسرة وحصل الطلاق فان النسيج الاجتماعي هو الآخر يتمزق ولا يحصد الأبناء الا الضياع وسط أجواء معتمة وليكونوا على مفترق طرق تودي بهم الى الهاوية . فاذا ما تزوج الرجل بامرأة أخرى سواء بعد طلاق أو وفاة فان الأمر يتفاقم أكثر مما هو عليه ذلك أن الرجل الذي كان يعامل زوجته الأولى بقساوة تراه يتهاون مع الثانية لتنتقل السلطة من يده الى يدها لاسيما اذا كانت هذه المرأة تحمل في أعماقها سوءا ، محاولة خداع زوجها بأساليب رخيصة بأن أبناءه يتجاهلون حضورها بالعقوق ، وأنها لم تعد تطيق التعامل البشع الذي تلقاه منهم كل يوم . ويستمع اليها الزوج مصدقا كل كلمة تقولها له ليبدأ بشن حملة ظالمة على أبنائه ليحرمهم من حقوق كان أولى به أن ينصفهم بها . وهكذا تلعب زوجة الأب دورا في توسيع شقة الخلاف بين الأب وأبنائه ليزيد الطين بلة ثم ليزداد معها الصراع الذي يكون آخره هدم أسرة وضياع مستقبل أبناء وتمردهم على الواقع المر الذي يحيونه