- عزيز قوم ذل -
فتحت له الدنيا أبوابها على مصراعيها فلم تكن تنقصه ثروة ولا جاه ولا نفوذ ، وكانت له أسرة من زوجة وأبناء تظلله بالراحة والسكينة ، ومع هذا وذاك كان طيب القلب لم يركبه غرور ولم تمتد يده الى سوء . غير أن القدر فاجأه ذات يوم ليأخذ منه الثروة والجاه والنفوذ ، كان يوما عبوسا مؤلما فصبر على مضض واستسلم لقدره ، وهكذا تحولت حياته من عز الى ذل . نسوق هذا المثال وسط متغيرات الحياة .. الحياة التي تلعب لعبتها بين حين وحين . فهل لنا من حيلة للخلاص من الأزمات التي تواجهنا أو من الأقدار التي تفرض قبضتها علينا ؟ اننا ببساطة مغلوبون على أمرنا كلما هبت عاصفة شديدة الوطء على نفوسنا ، وأننا لا يمكن أن نقاوم هدير الأمواج العاتية التي تتقاذفنا في ساعات غضبها . ولعلنا ندرك تماما أن البعض قد يقسو على من أذلتهم الحياة رغم ارادتهم وأنهم ينظرون اليهم النظرة التي فيها حقد وضغينة وسخرية ، كأنما هذه الصورة التي انقلبت من نعيم الى جحيم هي ما ترضي غرورهم . اننا جميعا قد نصاب بهذه الضربات اذ ما من نعمة تدوم الى الأبد ولا نقمة أيضا ، فالخسارة والربح أشبه بالمعادلة التي تتأرجح بين وقت لآخر ، فكم من تاجر أفلس بعد ربح طويل وكم من تاجر بدأ من الصفر فانتهى الى ثراء فاحش. غير أن أصعب ما في الأمر هو ذلك الأحساس الذي يراود عزيز القوم وهو يذل بعد تلك المكانة التي كان عليها ثم ليهبط الهبوط الذي لم يحسب حسابه قط . انها ضربة قاسية تجرح فيه أعماق نفسه ليخرج منها مهموما مرتاعا . فهل يا ترانا نأخذ بيد هذا الذي أذلته الأيام أم ترانا نسخر منه ونشمت به ؟ لو كانت لنا نظرة دقيقة وعقل راجح لأسرعنا لنصرة هذا الرجل وتعاطفنا معه التعاطف الذي قد يهديء روعه وينتشله من المأزق الذي هو فيه ، وبذلك نكون قد أعدناه الى أن يقف على قدميه على الأقل وألا نتركه فريسة الحنين الى ما كان عليه من عز ، والحسرة على ما فات من الأيام . أما اذا أردنا أن نخذله ونسخر منه فقد خسرنا انسانا لم يكن له ذنب فيما آل اليه .. انه لم يسيء الى أحد في ماضيه ولم يكن ظالما ولا متجبرا ، ولم يكن يحمل في قلبه الا الحب للناس جميعا . ولتكن لدينا قدرة على العطاء ونصرة من كان ضحية الزمن وغدر الأيام ،ولنذكر فحسب أن ما أصاب غيرنا من ذل وهوان قد يصيبنا أيضا ، فلا شماتة ولا حسد ولا بغضاء .