امرأة تتكلم عن سفر لم يتم أن تسافر في عينيه ǃ أولعلها تمنت أن يسافر في عينيهاǃ هذه الأشرعة المعلقة استعدادا للإقلاعǃ كيف تضحك العيون؟ كيف يتسلل هذا الحذر البطيء ليداعب كل مراكز القوى . انتظرت طويلا في محطات تركت خلفها ركامات من الأحزان والهمومǃ انتعشت وهي ترقب حركات الفرح في أهدابه. تمنت أن تقلع مركبتها الآن، ورأت أن المرساة لا تزال عائمة أبت الغوص. أحست بشعور يغزوها من أصابعها ويديها وبقية حواسها. ضحكت عيناهǃ استنفدت كل قدرة لديها لطرد تصور معين للحظة معينة. في يوم ما أحبت ذلك الفيض الكبير داخله من الرغبة في نشر أفراحها فيه. وجدت معه أنها لم تشب عن الطوق، وأنها ما زالت طفلة بغدائرها، وضحكتها الصارخة، وجنونها الإجباري، أحست أنها قطة أليفة. هذا الدفء من يديها هل يغادرها؟ يدوي في سمعها، ترديد كأنه همس. ينقر في نافذتها، يؤطر أيامها وساعاتها به، يتسلل بها توازن غريب، يعطي حياتها استعدادا لاستقبال وامتصاص أكبر كمية من الفرحǃ تجمهر بها كل حس تجديدي،وطرح أسهمه بأرخص الأثمان لتختارǃ سافرت في عينيه ǃ استوحت من تحركاته الكامنة فيه بلا استعداد لطوارئ قد تبدو منها أو ربما عليها. كان يعلم أن مناوراتها شيء معكوس، وأنها لا تقبل عدوا خلفه جيش عرمرم. واستنتج وهو يبحر في عينيها أنها "تحبه جدا"، وتوسلت داخلها كل قدرة على المقاومة لئلا يكتشف من رفة رمش أنها "تحب" بلا قيد ولا شرط. واستحسنت أن تعبس، وبدا لها أن عبوسها يفرحه، وكيفه على أنه دلال. سافرت في عينيه، فوجدت صورتها مرسومة داخل بؤبؤه توحد بها حتى صار كأنه جزء منها. كل لحظة اختصرت المسافات. ورأت أنها لا تسافر إليه، بل هو فيها يسافر.تسللت إليها نسمة عبقة يفوح منها أريج يوم لا يشبه باقي الأيام. ولم تفسر معنى أن تشتاق إليه وهي معه، وتتساءل عن حقيقة أن تصدقه دون أن ينطق. - قالت : كيف دخلت قلبي ؟ - قال : لا أدري - قالت : من الباب ؟ -ǃ قال : لا - من النافذة ؟ - ǃقلبك بلا نوافذ - تقصد قلب مظلم ؟ - لا ǃ إنه مضاء من الداخل - وماذا رأيت في قلبي المسكين ؟ -ǃ رأيت الحنان - فقط ؟ -ǃ والرحمة - فقط ؟ - ǃوالرقة - فقط ؟ -ǃ والدفء - فقط ؟ -ǃ والأمان - فقط ؟ - الأمان وحده يكفي - إلى هذا الحد ؟ - الأمان هو حاصل جمع كل الأشياء الطيبة -ǃ قالت : أشكرك - قال : أنا الذي أشكرك ǃ أيتها القادمة من اللامثيل. أيتها العائدة من حرية ضوئي. من نبرة سكوني الطويل. أنت حزني الخالد ǃ رمز ربيعي المتفتح في دمعي كلما عصف بنا هاجس. إني أتملاﱠك...أجدك...أقرأك...تبقين في وعيي معرفة تتسع، تكبرين في صدري خفقة تترعرع. ويأتي حنانك حلم يقظة، يتمشى في وريد أمسياتي هذه الفياضة بالشوقǃ الناهدة فوق الخفق. وأقول لك عبارة أحببناها معا: يجمعنا كل الحب، ولا يفصل بيننا إلا كل شيءǃ صار وقتك هو صحوتي، وزمانك هو عمري. وعمرنا ǃǃǃ معا مبدد في العجز أ. فتيحــة نــور عفــراء الرباط = عاصمة المملكة المغربية