(اجنحة الحب (قصة ----------
تأملت في عينيها الزرقاوين كأن ألف سفينة أرست في مينائها ..وراعني الحزن البادي في ملامحها , قلت متسائلا : - ما خطبك يا منى ؟ - اني حزينة أكثر مما تتصور . - أنا الآخر حزين بلا حدود . فقالت بصوت مخنوق : - أمي على فراش المرض , تعاني النوبة القلبية . فقلت مواسيا : - يكذب الأطباء ولو صدقوا . - ولكنها تموت ببطء ...لو حدث لها مكروه سأموت يا صلاح . أخذت بيدها دون شعور فقلت وأنا أشجعها : - هل فقدت ايمانك ؟ عهدتك شجاعة لا تهزمك العاصفة . وهي تذرف الدموع قالت : - أحبها بجنون , لا أستطيع الحياة بدونها . - كلنا نحبهن , ولكن لا نهرب من الحقيقة . - دلني على الطريق ..ماذا أفعل ؟ - قدر اهون من قدر ، لاتفقدي الايمان ، هذا كل ما اقوله . الربيع من حولنا يبثنا من انفاسه ، وثمة فلاح بسقي الورد ، جلسنا على اريكة تحت ظل شجرة ..ساد الصمت بيننا ردحا من الوقت , ولكن ظل قلبي يشعر بالأسف والأسى عليها ...أي شعور انتابني ؟.هي زميلة لي في الصف ، اعجبني فيها شخصيتها المتزنة مع حلاوة ملامحها .وقالت منى تقطع الصمت : - أشغلتك بمشكلتي . فقلت سريعا كأنما أعددت الجواب سلفا : - مشكلتك هي مشكلتي ..صدقيني . وكأنما أزيح عن كاهلها شيء ثقيل فنظرت الي بامتنان قائلة : - اني أثق بك ياصلاح , وهذا يكفي . - أنا رهن اشارتك لكل مساعدة . ثم قلت بعاطفة صادقة : - منى أنت أكثر من زميلة . فارتبكت وارتبكت أنا الآخر ,وساد الصمت من جديد ..ولم يقطع هذا الصمت الا جرس المحاضرة . ---------------- ------------------- --------------
كانت تنتظرني على أحر من الجمر بعد غياب قد طال ..تكلمت ملامحها وأفصحت عن معاناة عميقة .. كانت ترتدي الثوب الأسود وصفحة من الحزن قد تركت سيماءها على وجهها الجميل , قلت وأنا آخذ بيدها دونما شعور منى .. ماذا حدث ؟ فقالت والدموع تطفر من عينيها : - ماتت أمي , وبموتها ضاقت بي الدنيا . - البقاء لله وحده ..متى كان ذلك ؟ - منذ تموز . وأردفت بعد قليل : - وحال أبي أسوأ من حالي ..لم يعد قادرا على العمل ..ترك وظيفته وتقاعد , اني خائفة ان افقده هو الآخر . فقلت وأنا اشجعها : - انها صدمة الحزن , ما تلبث أن تتلاشى ..ومن نعم الله علينا النسيان , والا لجن جنون المرء وهو يفقد أقرب الناس الى نفسه . - عانت كثيرا من مرضها . قاطعتها قائلا : - رحمة الله ادركتها على كل حال . - الشعور بالوحدة يعذبني ياصلاح . - ها نحن نعود الى مقاعد الدراسة , وستنشغلين بالمذاكرة ويذهب هذا الشعور من تلقاء نفسه . - صورة امي لا تفارقني ..موت الأم هو اكبر خسارة يحصدها الأنسان في حياته . - منى , أرى من العبث ان تقلبي الصفحات ..هل نسيت اني معك وأنه لا يمكن ان اتركك تعانين الأزمة بمفردك ؟ تمنيت لو انك اخبرتني قبل الآن . - كيف استطيع ؟ - حقا ..كيف ! ثم وأنا اتأمل عينيها الجميلتين الحزينتين قلت : - لقد كنت يا منى حاضرة معي طيلة الغياب . لاحت على وجهها ابتسامة صامتة مضطربة ولم تقل شيئا . ---------- ----------- ---------- في ركنها المعهود من حديقة الكلية جلست منى تقرأ في كتاب ، اقتربت منها وانا احييها تحية الصباح ، ابتسمت وردت التحية بمثلها ، قلت : - اراك بخير اليوم . - الحمد لله . - الحياة جميلة رغم ضرباتها الموجعة احيانا . - حقا كما تقول . - منى .. اني ارى فيك الصفاء والنقاء . استحيت ولاذت بالصمت ..غير انها تمتمت بعد قليل : - انا ايضا ارى فيك النبل وطيبة القلب . احتواني شعور صادق بأن اجنحة الحب اخذت تتسلل الى قلبي رويدا رويدا وان منى تبادلني الشعور نفسه دون الحديث بلغة الحب التقليدية.