- الدولة أنا وأنا الدولة –
كان لويس الرابع عشر يردد القول ( الدولة أنا وأنا الدولة ) وهو بذلك يستبيح لنفسه حقا جائرا ،ويحرم الحقوق العادلة لشعب بأسره . انه الطغيان بعينه بل الاستهتار بمصير الدولة نفسها ، وقد انتهى الأمر بأسرة آل بوربون الحاكمة الى المقصلة جزاء وفاقا لما ارتكبته من جرائم . وقد نهج هذا النهج في الطغيان الكثير من الحكام ، كأنما الدولة بكل مقوماتها ارث أو تفويض الهي لهم دون غيرهم وهم بذلك أساءوا لمواطنيهم اساءة بالغة وطعنوا بحقوقهم الطعنات القاتلة ، غير مكترثين لمعاناتهم ومدى وطأة الرعب الذي هم تحت ظله في وقت يستمتعون وحدهم بالأموال والقصور والنعيم . أية معادلة ! وأية رؤية ! من أباح للحاكم أن يتسلط على رقاب الناس ؟ وما هذا الجور الذي يمارسه ليسحق أية حياة كما يشاء ؟ ما أكثر الحكام الذين يمارسون هذه اللعبة القذرة بحق شعوبهم ! لقد كان فرعون من قبل مثالا سيئا للحاكم المستبد ، حتى سولت له نفسه بأن لا اله غيره ، دفعته الكبرياء والعزة بالأثم أن يتطاول على الرب ، وأن ملك مصر له وحده دون غيره ، أما الرعية فهم خدم وعبيد ليس الا . ترى كم مثل فرعون اقتدوا بسيرته ؟ العشرات ، المئات ؟ آفة الحكم واعتلاء كرسي السلطة ، أمر ونهي ، قتل وتشريد ، والتلذذ بمتاع الدنيا على حساب البائسين المقهورين . كم تحمل لنا صفحات التاريخ في طياتها من مظالم وانتهاكات مارسها الحكام ضد شعوبهم ؟ أهو انتقام أم تلذذ بالبطش ؟ من بين المئات يأتي حاكم واحد ليقول لا ، قد تكون صحوة ضمير أو يقظة عقل ، غير أن الشعوب ظلت على مدى قرون تعاني من وطأة الاستبداد ، فما الذي نرجوه اليوم لتعود الينا أنفاس الحرية ؟ ما الذي نتطلع اليه ليكون لنا حق الحياة على الأقل وسط متاعب ثقيلة ؟ انه ليس الا أمل ضئيل وحلم عابر أن نرى في حكامنا شيئا من الانصاف والعدل في الرعية وألا يزيدوا أعباء جديدة على أعبائهم السالفة . ان التفويض الالهي أسطورة ذهبت مع أدراج الرياح ، ابتدعها المنحرفون ليكونوا عونا على الظالم ، لان الله تعالى لم يمنح هذا التفويض الظالم لأحد حتى يتجبر ويطغى لأن الله تعالى خلق الناس أحرارا بلا قيود . فهل من عقل راشد يأتي ليقول لنا لكم حريتكم وأنا كفيل بالحفاظ عليها ؟ ان أسوأ ما في الحاكم الفاسد أنه لا يتعظ ولا تأخذه عبرة من الأحداث ليلقى بعد ذلك نهايته المريرة ملعونا مدحورا .