بين الشك واليقين
-------------------
قيل في الفلسفة أن أولها شك وآخرها يقين . وقد بدأ الغزالي بالشك في أول رحلته الفكرية فانتهى الى اليقين . ولعل ( ديكارت ) يعتبر أبرز فيلسوف بنى نظريته على الشك للوصول الى الحقيقة . غير أن هذا الشك يستوجب ألا يصل الى حال فيه تردد أو ضلال أو اتباع هوى ، اذ الأحرى أن يكون اليقين محور الحقائق . لقد أيقن الصحابة بما جاء به النبي دون تردد ولم يساورهم شيء من الشك بل ازدادوا يقينا بمرور الأيام . ومن قبل نبذ سلمان الفارسي المجوسية التي هي ديانة قومه بعد أن استحوذ عليه الشك بصحتها ، ومضى في رحلة طويلة بين الشك واليقين فلما رأى النبي وسمع منه ملأه اليقين فآمن . ان الشك هو أول الخطوات لمعرفة الحقيقة غير أنه اذا تجاوز حده وأحاط به سوء الظن ومعه الريبة حينذاك فحسب يكون سلاحا قاتلا يردي صاحبه الى الهلاك . وحينما يلازم الشك الانسان في كل أوقاته دون أن تكون له بضع ساعات من اليقين فانه يفقد الرؤية لمعرفة الحقائق ليصل به الأمر لأن يشكك بقدراته نفسها ليفقد معها الراحة والطمأنينة ،أما اليقين فهو ايمان بحقيقة الأشياء التي نتعامل معها بما تحمل في طياتها من عقائد وأفكار وعلاقات اجتماعية . انه ليس من الصواب أن تشكك في رفاقك طيلة مسيرتك معهم اذ سيكون الأمر كأنه مرض عضال أو عقدة نفسية تقمصتك . في الحقل العلمي يساور الشك العلماء في نظرياتهم أول الأمر فاذا اطمأنوا الى تجاربهم غلبهم اليقين . وكل نجاح في الحياة مرهون بأن نكون على يقين من قدراتنا فاذا تسلل الشك الى نفوسنا أصابنا الخوف والتردد لنفشل أيما فشل . اذا كان لك ايمان بالعقيدة التي تحملها وأحسست بأن ثمة نورا يحيط بك فأنت على يقين ، أما اذا انتابتك الهواجس في العقيدة التي تحملها فانك لن تكون في طمأنينة أبدا وأن الشك وحده الذي يطاردك ليحيل حياتك الى مخاوف لا تنتهي . تنتاب البعض منا أحيانا ساعات شك مما نراه ونسمعه في حياتنا اليومية ولا بأس في ذلك ،غير أننا اذا تمادينا في تجسيد الشك لنجعله واقعا ملموسا يلازمنا في كل صغيرة وكبيرة وفي البيت وخارجه فانه علامة تثير الخوف والفزع . ليس بين الشك واليقين مسافة فاصلة ، فقد يتحول الشك الى يقين وقد ينقلب اليقين الى شك ن ومع ذلك فان اليقين الذي معه حرارة الايمان هو الذي يفرش جناحه بظلال وارفة ليجلب لنا البهجة والسرور .