top of page
صورة الكاتبAdmin

قراءة في رواية الجريمة والعقاب - ناجح صالح


قراءة في رواية الجريمة والعقاب -----------------------------------

يعد دستوفسكي واحدا من أشهر الأدباء الذين أنجبتهم روسيا في القرن التاسع عشر ، وأنه نسيج وحده بما أفرزه قلمه في مضمار القصة والرواية ، وأنه من الصعب مجاراة أسلوبه في هذا الفن ذلك أن أسلوبه الرصين اتخذ بعدا مميزا لما فيه من دقة في الأداء والتعبير . ( ولد دستوفسكي سنة 2 2 8 1 في ضاحية من ضواحي موسكو من أسرة متوسطة الحال . وكان يشكو داء الصرع منذ طفولته وبقي هذا الداء العضال ملازما له حتى موته . وكانت وفاته سنة 1 8 8 1 على أثر انفجار في رئته .) ومن أشهر كتبه ( الجريمة والعقاب ) و( الأخوة كارامازوف ) و( مذكرات سجين ) . أما رواية ( الجريمة والعقاب ) التي نحن بصدد وضع النقاط على الحروف بشأنها ، فقد أشاد النقاد بها منذ صدروها سنة 6 6 8 1 حتى أيامنا الحاضرة دون توقف كما أنها ترجمت الى أكثر اللغات الحية ، وان أكثر من فلم اقتبسته الشاشة البيضاء من أحداث هذه الرواية الرائعة . بطل الرواية تلميذ جامعي فقير الحال تبعث له أمه بالمال القليل لتيسر له مستقبله ، لكنه ما يلبث أن يترك مقاعد الدراسة هائما على وجهه في طرقات المدينة ، يعود بعدها متعبا الى حجرته متبرما من حياته لتنتابه كوابيس في نومه . يضطر يوما للذهاب الى المرابية العجوز ليرهن ساعته الفضية فتساومه على مبلغ ضئيل رضي به بعد تردد ، وما أن يغادر حجرتها حتى تنتابه أفكار جهنمية بضرورة قتلها ، أجل .. راحت تلاحقه هذه الفكرة ليلا ونهارا ، في الحلم واليقظة . وكلما التقى بصديق له وجد نفسه شاردا كأنما هو في دنيا غير دنياه . وتأتي اللحظة الحاسمة لقتل المرابية العجوز ، وحالما تفتح له الباب يتبعها الى حجرتها ليهوي بالفأس على رأسها فتقع على الأرض مضرجة بدمائها ، غير أن ثمة خطوات في الحجرة المجاورة فاذا به يفاجأ بشقيقتها ولم يكن يتوقع وجودها ، فلم يكن أمامه الا أن يهوي بالفأس على رأسها لتقع هي الأخرى مضرجة بدمائها .. ثم ما لبث أن عثر على المفاتيح ليأخذ ما يجده من مال على عجل . وفي هذه اللحظة قرعت الباب فذهل تماما لكنه ظل متخفيا ، وبعد حين خرج وأطلق ساقيه للريح مذعورا وراح يسير على غير هدى حتى اذا بلغ ركنا بعيدا عن الأنظار أخفى ما يحمله من مال تحت صخرة ثم عاد الى حجرته متعبا مهووسا ليستسلم الى نوم عميق تتخلله كوابيس مفزعة . ترى أية جريمة ارتكبها ! ولماذا ؟ ويبدأ التحقيق يأخذ مجراه ، فلما يجئ دوره يسأله ضابط الشرطة أين كان في ساعة الجريمة ! سيما أن حجرته قريبة عن دار المرابية وأنه كان قد ارتهن عندها رهينة مدونة في دفتر المرهونات التي تحتفظ بها العجوز . ويرتبك الفتى من أسئلة الضابط بما فيها من اتهام له ، غير أنه يرد عليه قائلا بأنه كان مريضا ولم يغادر حجرته أياما . والواقع أن الفتى بات متخبطا ، لم تعد له القدرة على الصمود ليستسلم الى نوبات أقرب ما تكون الى الجنون ، وهو مع ذلك يبرر لنفسه ما فعل ، ان هذه المرابية العجوز تستحق القتل فهي جشعة طماعة تستغل زبائنها أبشع استغلال ، هؤلاء الذين أعوزتهم الحاجة فيطرقون بابها لأجل الاقتراض . وهو في تخبطه هذا وفي حيرته يذهب الى الفتاة التي يحبها ليعترف لها بجريمته فلا تكاد تصدق ولكنها مع ذلك تقف معه بعد تردد وبعد أن قالت له : - اسكت ، انك قد ابتعدت عن الله ، والله قد ابتلاك بضربته ، لقد أسلمت الى الشيطان . فقال لها : - اني أعرف أن الشيطان هو الذي دفع الى فعلتي ، أفيمكن أن تفكري بأنني مضيت لأقتل ، وأنا أخفض رأسي كالأبله . - لكنك قتلتها . - ولكن بأي طريقة قتلتها ؟ وهل هكذا يكون القتل ؟ هل هكذا يتصرف الانسان في القتل ؟ ان الشيطان هو الذي قتل العجوز ولست أنا الذي قتلها . ثم يقرر الفتى أن يعتزل الناس بعد أن سدت المنافذ في وجهه ، لقد كان الصراع على أشده في أعماق نفسه ، لكنه يذهب أخيرا الى الضابط ليعترف ، اذ لم يعد قادرا أن يتحمل هذه الضغوط النفسية على كيانه . - أنا الذي قتلت ، بضربات الفأس ، الأرملة العجوز وأختها لأجل السرقة . أما حكم المحكمة فقد كان أرحم مما ينتظر ، بالنسبة للجريمة المرتكبة وربما كان ذلك عائدا الى أن المجرم لم يحاول تبرير نفسه ، وقد أخذت بعين الاعتبار الحالة المرضية التي كان عليها المجرم وأخلاقه قبل ارتكاب الجريمة . وتبقى رواية الجريمة والعقاب في آخر المطاف الرواية الحية بأحداثها وصورها وأشخاصها وأفكارها ، وأن عاملي الخير والشر في صراع لا يتوقف في أعماق النفس البشرية . أما دستوفسكي فيبقى علما من أعلام الأدب له تألقه ومكانته في كل نفس لها ادراك لحقائق الانسان في صراعه مع الأقدار وفي نضاله الدائب من أجل العثور على الحل الصحيح للمعضلة الانسانية الكبرى : الخير والشر .


١٠ مشاهدات٠ تعليق
bottom of page