بين حياة وموت ----------------
ما الذي تريده أيها الانسان من هذه الحياة وأي هدف ؟ ها أنت لا تتوقف عن المسيرة ، يشغلك البحث عن لقمة العيش أولا لتشقى أي شقاء ، ثم لتبحث بعدها عن عش الزوجية الدافئ لتبدأ في رحلة جديدة من حياتك فيها أمنيات وأحلام لم تكن تراودك من قبل ، فها أنت تريد أن يكون لك قصر فخم يحتويك أنت وأسرتك ، وأنت تريد أن تمتلك سيارة فارهة تستمتع بها في نزهات مثلما يفعل الموسرون من الناس ، ثم يأخذك الطمع أو الطموح ليكون لك رصيد من المال تدفع به مخاطر الدهر . غير أنك في رحلتك هذه تنسى أهم ما يمكن البحث عنه ألا وهي الطمأنينة وقناعة النفس والرضا ، لقد سعيت طيلة حياتك الى تحقيق أشياء مادية ملموسة وأغفلت الجانب الروحي الذي يعيد التوازن في هذه المسيرة . فما الذي تريده أيها الانسان مرة أخرى ؟ ان أعباء الحياة ثقيلة اذا لم تظللك سكينة فيها عودة الى أعماق النفس وكشف أسرارها ، انك لن تكون آمنا اذا غلبت عليك أهواؤك فحسب ، ان الحياة ليست متاعا في كل حين رغم كل مغرياتها ، فأين مكان القيم الروحية من هذه المعادلة التي تطرح نفسها دون تردد ؟ انك في ساعة غفلة تريد أن تعبث ليس الا ، لتهمل بصيص الأمل وخيوط النور التي وحدها دون غيرها تنقذك من غفلتك ، ثم الى متى تريد أن تظل في لهوك ، ألم تحسب أن الحياة قصيرة وان طالت ؟ انك في الحياة لك الاختيار رغم القدر الذي يحدد خطواتك ، غير أنه في الموت ما من اختيار ، خاضعا مستسلما خائفا مرتعبا ، ما بيدك حيلة للخلاص ، لقد شارفت النهاية والحساب عسير لمن فرط بالحقوق المفروضة عليه ، حقوق نسيها في غمرة انشغاله بزينة الحياة الدنيا . انه الموت آتيك فأين المفر ؟ لقد ذقت طعم الراحة ردحا طويلا واستمتعت فجاءك الموت في ساعة لم تتوقعها ولم تحسب حسابها فبئس ما قدمت لحياتك وبئس نهايتك . الم تعلم أن الله خلق الموت والحياة ليختبرك أم ظننت أن ذلك مجرد لهو ، لتطغى وتظلم وتخون الأمانة ، أين هو العمل الصالح ليشفع لك في آخر المطاف ؟ يا له من موقف رهيب وأنت تحتضر ، ترى سكرات الموت وليس لك من قوة ولا حيلة للخلاص ، وهاهو صدرك ينتفض وأنفاسك تتلاحق ، مكبل بأصفاد لا طاقة لك بانتزاعها ، ما نفعتك ثروتك ولم تغن عنك عشيرتك ولا أولادك ، انك اليوم في عذاب شديد . غير أن النفس الراضية المطمئنة ترى في الموت حياة جديدة ليس كمثلها حياة ترفل بنعيم الآخرة وعبقها ونورها، كأنها ترى من وراء حجاب مقعدها من الجنة .