وقفة مع مجلة العربي ------------------- أذكر فيما أذكر أنه في عام 1958صدر العدد الأول من مجلة العربي الكويتية يترأس تحريرها الدكتور أحمد زكي ، وهي مجلة شهرية ما تزال تصدر حتى اليوم . وحينما قلبنا صفحاتها – ونحن ما نزال تلاميذ في المدرسة الاعدادية – أخذنا العجب لما احتوته المجلة من موضوعات ثقافية جامعة في علم وأدب وتاريخ واجتماع وفلسفة . تبدأ الصفحة الأولى بافتتاحية للدكتور أحمد زكي يتناول فيها أحداث الساعة باسلوب رشيق مقتدر فيه من فصاحة اللغة وجزالتها وبلاغتها ما فيه ليقع القارئ تحت تأثير هذا البيان الساحر. وفي صفحة أخرى ينتقل الدكتور أحمد زكي الى الموسوعة العلمية باحثا متقصيا في علوم الطبيعة وما استجد فيها من بحوث ودراسات وهو الذي نال شهادة الدكتوراه في هذه العلوم . ثم ينتقل في صفحة أخرى الى عنوان كبير هو وحدة الله تتراءى في وحدة خلقه . يبهرنا هذا الرجل بثقافته وكأنه موسوعة في العلوم والآداب . في الصفحات الأخرى من المجلة تطل علينا أقلام الكتاب والمفكرين والأدباء ليرسموا لنا صورة ثرية لم نكن نعرفها .. حضارة الأندلس ، الحروب الصليبية ، أعلام اللغة ، من أخطاء القضاء ، اعرف وطنك العربي ، لغتنا الجميلة ، طرائف عربية وأجنبية ، قصة قصيرة ، قصيدة , و.... وجدناها مجلة لا تضاهيها مجلة أخرى رغم كثرة المجلات في الساحة الثقافية ، وتستمر المجلة في الصدور دون توقف ونحن عل أبواب الانتظار في بدء كل شهر تتلقفها أيادينا بلهفة وشوق وهي تزداد تألقا عددا بعد عدد . وما أن يطل علينا عام 1975 حتى يتلقف الموت الدكتور أحمد زكي رئيس تحرير المجلة فكان رحيله ضربة للتألق الفكري .. وجاء من بعده الأستاذ أحمد بهاء الدين رئيسا للتحرير . واستمرت المجلة على خطاها ولكن ليس تماما كعهدها الأول . وفي عقد الثمانينات من القرن الماضي تبدلت أسماء وأسماء لرئاسة تحرير المجلة فلم يعد عطاؤها وقوة جذبها تثير في القارئ ما كان يتطلع اليه من قبل . والواقع أن هذه المجلة في سنواتها العشرين الأولى كان لها التفوق والامتياز في كل ما نشرته من فكر دسم أثرى عقولنا وروى غليلها من المعرفة . وها أنا أجد نفسي بين حين وحين أقلب تلك الصفحات من هذه المجلة الراقية في ذلك العهد من عمرها بعد أن ضمت مكتبتي أكثر من مائتي عدد من أعدادها ، وأقرأها قراءة متأنية لأسرح في عالمها النابض بالحياة ، تأخذني الحسرة بأننا نفتقد اليوم هذه الآفاق الثقافية ومعها الأقلام الحرة التي رحلت برحيل أصحابها وكأنهم كانوا الشعلة الوهاجة التي تنير الطريق بسحر كلمتها ورونق أسلوبها وغزارة علمها . رحم الله الدكتور أحمد زكي رحمة واسعة بما قدمه لنا من تدفق فكره وزخم عطائه وخصب علمه وسحر قلمه .
ناجح صالح