- حينما يتبدد الحلم - ( قصة )
في تلك الليلة راودني حلم غريب أشبه ما يكون باليقظة , رأيت قبالتي فتاة ممشوقة القوام , حلوة التقاطيع , ذات عينين سوداوين واسعتين , وشعر أسود قصير , تبتسم لي وتحادثني , تقترب مني , تنظر الي بشوق ولهفة , تقول لي ملء فمها : أحبك . لم أنبس ببنت شفة وأنا مستغرب من جرأتها . أي وجه هذا الذي يتطلعني ؟ وجه لم أره من قبل قط . دهشت أيما دهشة من حديثها وسحرها , غير أني استيقظت في الصباح شارد الفكر , مضطرب البدن , أي حلم هذا ؟ وما تفسيره ؟ وظل هذا الحلم يطاردني ليومين متتاليين أعيش أجواءه , وما أن جاء اليوم الثالث وبينما كنت أجتاز الطريق حتى رأيت الفتاة عينها تطل علي بنظرة فاتنة وابتسامة ساحرة , من أين انشقت الأرض بها ؟ أي لغز ؟ وبقيت مذهولا طول الطريق , ولما احتوتني غرفة الدار رحت أستعيد ما جرى , أحقا هي فتاة الحلم ؟ هل أصدق ما حدث ؟ أم يا ترى أصابني مس ؟ لا .. لم يكن ما رأيته هاجسا من الوهم , انه حقيقة ملموسة لا غبار عليها , هل أكذب عيني ؟ وما أن أطل يوم جديد حتى بدت لي فتاتي تتجه نحوي بخطوات لا تردد فيها لتلقي التحية علي ثم تمضي في طريقها . أسكرتني هذه اللحظة وراح قلبي يترنح بخفقاته , لحظة ليست كاللحظات ويوم ليس كالأيام . هكذا أشرقت شمس الحب امتدادا لحلم .. حلم يكن يخطر لي على بال , لكن هذا الحلم كان رؤية صادقة تجاوز التوقعات ,غير أن ما يحيرني هو أن الفتاة بدت عاشقة متيمة مع أني أجهل من تكون ومن أين أقبلت , ما سرها ؟ ما قصتها ؟ سألتني أمي مستغربة : - ما لي أراك يا بني مضطربا ؟ - لا تقلقي يا أمي , اني بخير . - لا .. لست أنت الذي أعرفه . - أنا على ما يرام . - أتراني أجهلك , أراهن أن شيئا ما أصابك , هل تشكو من مرض ؟ هل من أحد أساء اليك ؟ هل من امرأة تلعب لعبتها معك ؟ لن أفصح عن مشاعري ,سأكتم صرختي . ورحت أنتظر طلعتها بلهفة ,غير أن الذي حدث أنها غابت عني ثلاثة أيام بتمامها ,فرحت أتساءل مع نفسي هل انتهت القصة ؟ هل تبدد الحلم ؟ ولبثت حزينا مقهورا حتى جفاني النوم وضاقت بي الدنيا , ولما استبد بي اليأس أطلت علي من جديد بابتسامة آسرة وألقت يدها في يدي ونحن نمضي في الطريق . عجبت من جديد من جرأتها , أيقنت أنها لا تكترث لأحد بينما كنت مرتبكا , قالت : - أنا آسفة , شغلتني وعكة صحية . - سلامتك . - لا تأبه أنا بخير الآن , وكيف أنت ؟ - كنت قلقا أن تغيب شمسك عني , كنت خائفا ألا تعودي الي . - كيف وأنا أنتظر هذه الساعة على أحر من الجمر . - هل لي أن أسألك كيف عرفتني ؟ قالت بصوت عذب : - رأيتك في الحلم قبل أن ألقاك . - عجبا , أنا الآخر كنت قد رأيتك في الحلم . - أي لغز . - أجل .. أي لغز . - ولم أنتظر طويلا , لبثت أبحث عنك حتى وجدتك , فلما رأيتك أحسست بالحب يأخذني الى عالمه الوردي الحالم . - يا لها من مصادفة وأنا لم أصدق عيني ساعة أقبلت الي . - أنا سعيدة وأنت تصدقني الحديث وتبادلني المشاعر . - بل أنا السعيد الذي فتحت له الدنيا ذراعيها ببهجتها وسرورها . أعطاني هذا اللقاء جرعة قوية من الأمل , ورحت أتطلع الى الغد بنظرة واثقة مطمئنة , لقد وجدت ضالتي .. لقد رفرف طائر الحب بجناحيه من حولي . وهكذا ابتسمت لي الدنيا بعد مسيرة طويلة , أتراني ما زلت أحلم وأن الحلم ما زال يطوقني بأشواقه وتطلعاته ؟ ماذا .. هل يساورني شك فيما أنا فيه ؟ ومضت الأيام يجذبني اليها نسيمها وعبقها مع الفتاة التي أحب . وقالت لي أمي وهي ترى غبطتي : - أراك سعيدا يا بني . - أجل أماه ان الدنيا لا تسعني . - أقرأ على سماتك امارات الحب . - الحب .. وهل غير الحب يضفي علينا ألقه وتوهجه ؟ - وأية فتاة هي يا بني .. أهي جميلة ؟ - ماذا أقول , ان كلمة الجمال وحدها لا تكفي , انها لوحة من الحسن والبهاء والكمال . - وأسرتها من تكون ؟ - لا أعرف شيئا عن أسرتها غير أني أجزم بأنها غصن من شجرة تمتد الى الأعالي . - وماذا أنت عازم على فعله ؟ - سأقترن بها , أجل ..انني عازم على فعل ذلك . - حسنا يا بني , أنت الذي اخترت وهذا شأنك . وكلنا التقيت بها وجدت نفسي هائما في فضاء لا نهاية له . ما أجمل أن يكون هناك قلب يشاطرك خفقاته , وما أجمل أن تكون لغة الحب هي التي تحتوينا بكل نغماتها . ولما قررت أن أزف اليها ما عزمت عليه من خطبة وزواج اذا بها لم تحضر ذلك اليوم , وانتظرت اليوم الذي بعده فلم أجدها , ومرت أيام واسابيع فلم يلح في الأفق أنها قادمة .. ترى أين ذهبت ؟ وأين أجدها وأنا لم أعرف لها عنوانا ؟ رحت أبحث عنها في أرجاء المدينة دون جدوى , وليس من ثمة أثر يدلني عليها . وها أنا جالس في صومعتي أقلب أوراقي وأراجع قصتي بعد مضي عام على رحيلها بل على اختفائها . أين تراها ذهبت ؟ ماذا حل بها ؟هل نكثت وعدها ورمت لي آثار ذكريات فحسب ؟ هل أصف ما حدث خيانة ؟ وأشفقت على نفسي أن يصيبني مكروه كلما طاف بي طيفها فحاولت أن أقف على قدمي وأتناسى ذلك الحلم الجميل .. الحلم الذي تبدد قبل أوان الشروع بتحقيقه .