top of page
صورة الكاتبAdmin

لون الدمع - بن عمارة مصطفى خالد


لـــــون الدمـــــــع ( لعمري ما سأبقى بهذا البيت لحظة فقد احتسيت من العذاب أكوابا حتى الثمالة و تجرعت كؤوس الذل ما لم تتجرعه الجاريات زمن العبيد،و ليكن ربي كفيلا بكومة اللحم هاته) استطردت رقية و الدمع يندلق من عينيها كأنه السيل و هي تحمل أمتعتها هامة في مغادرة سجنها و سجانها:بعلها الذي تزوجها قرابة السنتين لم تذق فيها حلاوة العيش و لا طعم الزواج،صبرت ما شاء الله لها أن تصبر على وليدها الذي لم يزل في قماطه الأبيض و وشاح البراءة مسدول على محياه الجميل،خرجت من البيت ذاهبة إلى أهلها الذين فارقتهم حين زواجها و العبرات تملأ عينيها لمفارقتهم و لكن شتان بين لون الدمعتين،دخلت إلى أهلها،فلما رأوها في حالتها تلك ذهلوا و تكلموا بنظرات نحو بعضهم البعض و تركوها تفرغ ما بجوفها من وجع إلا أبوها الذي راح يطوقها بين ذراعيه ليجعل من حضنه طبيبا يداوي جراحها النازفة و من كفه يدا شافية كيد المسيح،و لما أفاقت من غفوتها و رجعت إليها حياتها راحت تتكلم دون توقف عن معاناتها منذ أن فارقت بيت أبيها و هي توريهم آثار السوط على جسدها الطري آثار جديدة تعلو أخرى قديمة و كأنها كانت سبية في حرب و فجأة طفقت ترنو إلى رضيعها و حملته و خرجت كالمجنونة و هي تهذي بكلمات متداخلة كأنها طلاسم أو تعويذات،تذهب ذات اليمين و ذات الشمال تترنح حتى وصلت بيت سجانها و هي تنظر إليها كأنها تودع عذابها المحصور بين جدرانه فوضعت وحيدها على أعتابه و هي تلثمه و تبلله بماء مقلتيها السابحتين في لجج من حزن،رجعت إلى بيت أبيها و لما دخلت نظر إليها والدها نظرة شزراء مستطردا و هو يمسكها من كتفيها:( ماذا فعلت بالطفل؟؟هل قتلته؟؟؟تكلمي هيا تكلمي؟؟و ما ذنب تلك البراءة؟؟؟) كان منفعلا فلعابه كان يخرج من فمه و هو يتكلم.فردت رقية:أخذته عند أبيه لا أريد أن أتذكر حياتي الماضية أريد أن أمحوها من ذاكرتي إلى الأبد علي أن أسطر حياتي،علي أن أبدأ من هنا. مرت أيام قلائل فطلقت و علمت من بعض معارفها أن تلك البراءة أخذها الطاغية إلى أمه المسنة لتربيه،و بعد أربع سنوات سافرت إلى خارج الوطن و تناست ماضي

أسود يبرز إليها كسحابة بأديم السماء سرعان ما يزول و ينقشع. بقلم الكاتب:بن عمارة مصطفى خالد.


٦ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page