الحـــلــم والـــواقــــــع الشاعر حسن منصور أنا حَـسْبي في عـيْشِيَ الأحْــلامُ *** فعَــليْهــا أصْحـو وفــيهـا أنامُ وعـلى مَتْـنِهـا قَـطعْـتُ الفـيافي *** أمْـتَطـيهـا وفي يَـدَيَّ الـزِّمــام ومَضتْ بي تَجوبُ صحْراءَ عُمْري *** وبهـذا ضاعَـْت بِيَ الأعْـوام وكَـأنَّ الـسَّرابَ فـيهــا زَمــاني *** وكَـأنَّ الـرّمـالَ فــيهـا الطَّعـامُ بَـــدَويٌّ أنـا يَجــوبُ الــبَراري *** أَلِـفَـــــتْهُ الْــــوِهــــادُ والآكـام كلُّ هــذي الرُّبوعِ حَـــوْلي قِفارٌ *** وَبِقُــرْبي يعــيشُ فــيهـا الأَنام إنَّمــا لَسْـتُ أَلْمَـسُ الْــوُدَّ فــيهم *** بل وُجــوهاً طَغى عَليْها القَتام ونُفــوساً مَـريضةً فـي رُؤاهــا *** وَقُــلـوباً سَعى إلَـْـيهـا السَّقــام عيشَتي في الصَّحراءِ أكْثَرُ أمْناً *** وَائْتِناسـاً إذْ كانَ عندي السَّوام ثُبْـتُ مِـنْ حُلمِيَ الذي كُنْتُ فيه *** يَــــوْمَ أدْرَكْــتُ أنَّــهُ أوْهــــام أنا ســيزيفُ لم أزَلْ في عَــنـاءٍ *** وسَـأبْـقى حَــتى يَحِــمَّ الْحِـمـام إنَّمــا صَخْـرَتي نُفـوسٌ تَهـاوَتْ *** إنْ تُحَــلِّـقْ تَرْتَـدَّ وهْـيَ حُـطـامُ فَـــأراني لَمْــلَمْـتُهــا دونَ يَـأسٍ *** عَــلّها تَشْـفى أوْ يَجيءَ الْـتِـئـام وأُنــادي فَـلا أُلاقـي مُـجــيـبــاً *** يَتَمَــطّى لــوْ عَــزَّ مِنْهُ الـكَلام آهِ مـا أشْـقى مَـنْ يَكونُ وَحـيداً *** بَيْـنَ قَـــوْمٍ عَــنِ المَكارِمِ ناموا وخُــمـولٍ أنـاخَ فَــوْقَ جُـسـومٍ *** بــارِداتٍ كَــأنَّهـــــا أصْـــــنام رَقَــدوا والـــرُّقــادُ شَــرُّ بَـلاءٍ *** فـيهِ ذاقَـتْ هَــوانَها الأَقْـــــوام نَشَرَ الْـفَــجْـرُ نورَهُ مُـنْذُ حــينٍ *** ومَـعَ الضَّـوْءِ رفْـرَفَتْ أَعْـلام وَأَرى الشَّمْسَ في السَّماءِ تُنادي*** أَنْ أَفيقوا فَفي ضِيائي السَّـلام لِمَ لا تَنْهَـضونَ والـرَّكْبُ ماضٍ *** مَـنْ يَنَـمْ فَالمُـنى عَليْهِ حَــرام انْهَــضوا قدْ عَـمَّ الضِّياءُ وَأنْتـم *** في مَـكانٍ طَـغى عَـلـيهِ الظّلام انْهَـضوا لَمْ يَظَـلَّ حَيٌّ سِـواكُــمْ *** نائِمــاً قـدْ تَـدوسُـهُ الأَقْـــــدام!! آهِ يـا مـاضِـياً جَـمــيلاً تَـــوَلّـى *** فــيهِ تَحــيا القًـلـوبُ والأحْـلام سـاكِـنٌ في الفُــؤادِ يَبْقى جَديداً *** وَلَــهُ في أسْـمـاعِــنا أنْــغــــام كُلَّـما هَــبَّتْ مـنْ رِياضِكَ ريحٌ *** أوْ سَرى طَيْفٌ أوْ وَعَتْ أفْهام ثارَتِ الأدْمُــعُ الحَـزينَةُ تَهْـمي *** شاقَهـا لـلـرُّجـوعِ ذاكَ المَـقـام أيُّهـا الماضي لا نُريدُ رُجـوعاً *** أوْ نُكـوصاً وَقَـدْ دَعـانا الأَمـامُ إنّمـا أنتَ في القُـلــوبِ ضِـياءٌ *** مِـنْكَ يأتيـنا بِالـهُــدى إِلْـهــام نَحْـنُ نَبْـغــيـكَ لِلْحَــياةِ مَــناراً *** تتَجَـلّى في ضَـوْئِهِ الأَحْــــكام أُمَـمٌ قَـبْلَـنا إلى المَجْــدِ سارَتْ *** في يَدَيْــهـا يَراعُـهـا وَالحُـسامُ فَهْيَ تَبْني بِفِكْرِها صَرْحَ عِـزٍّ *** وَهْـيَ تَحْـمي بِعَـزْمِها ما يُقـام أَكْرَمَتْ نَفْسَها فَعَزَّتْ وَسادَتْ*** فَهْـيَ لِلــنّاسِ قُـــدْوَةٌ وَإِمـــــام يَدُها الْعُلْيا في المَحافِـلِ دَوْمـاً *** وَلَها الْأَمْرُ وَالرِّضى وَالْخِصامُ فَكَأَنَّ الأمْجــادَ وَقْــفٌ عَليْهــا*** وَكَأنَّ الْـــوَرى لَـهـــا خُــــــدّام فَـبِـكَـــدٍّ لا بـالـتَّسَـوُّلِ ســادوا *** هـكَـذا دائِمـــاً يَســودُ الهُـمــــام وَالْـيَدُ السُّفْـلى لَمْ تَزَلْ يَـدَ طاوٍ*** لِـبَـقــايـا فُــتـاتِـهِـــمْ قَــمّـــــــام فَــمَـتى يَشْعُـرُ المُواطِنُ يَوْماً *** أَنَّـــهُ فـي بِــــلادِهِ لا يُـضــــام عَرَبيٌّ في أرْضِهِ ليسَ عَـْبداً *** فــي عَــبـيــدٍ كأنـَّهُــمْ أَنْـعــــــام وَمَـتى يَـرْفَــعُ الظَّلامَـةَ عَنْهُ ***ظالِــمــاهُ: الـغَــريـبُ والحُــكّـام قدْ عَرَفْنا الأيّامَ سوداً وَبيضاً *** تِلكَ صَيْرورَةٌ عَـــليْهـا الــــدّوام فَجْأةُ الغـيْبِ لا مِراءَ سَتَأتي *** فَــارْتَقِـــبْ ما تخُـــطُّـهُ الْأقْــلام وَاحْبِسِ الأَنْفاسَ الحَزينَةَ واهْدَأْ *** وارْتَـقِـــبْ مـا تُـخَــبِّئُ الأيّـــامُ الشاعر حسن منصور [من المجموعة الثانية عشرة؛ ديوان (عندما تنكسر الدائرة) ص 35]