حينما نخلو الى أنفسنا يرى البعض منا حين يفكر ويتدبر أن ثمة أخطاء ارتكبها مع الآخرين خلال مسيرته في رحلة الحياة ليعترف مع نفسه على الأقل بأن ذلك حقيقة لا غبار عليها . لقد أخطأ حقا وها هو يعترف ، والاعتراف بالخطإ كما يقال فضيلة ، وما عليه الا ان يزيح الغشاوة من عينيه ليسلك طريقا آخر غير الطريق الذي كانت تظلله فيها الأخطاء . ويأتي الاعتراف مع النفس صحوة وجدانية نابعة من العقل والقلب لتغمره الطمأنينة حينئذ . أما البعض الآخر منا فهو لا يريد أن يخلو الى نفسه ساعة واحدة ولا يريد أن ينظر الى مسيرته التي احتوتها أخطاء عديدة ليظل هائما على وجهه دون أن يعترف بأنه ارتكب ظلما وفسادا وأنه آن الأوان لتصحيح مسيرته ، انه يأبى الانصياع الى صحوة تهز مشاعره لتوقظه مما آلت عليه حياته من ظلام . وهكذا يمضي غير مبال بما ألحق من أذى لغيره ، فلا يستمع لصوت العقل ولا لنبضات القلب وكأنما هو حجارة صماء مجردة من كل احساس . ويأتي الاعتراف مع النفس أحيانا متأخرا ولكن لا بأس به اذا كان فيه خير ونفع لاصلاح النفس من الأدران التي شابتها . اننا نجني على مجتمع بأسره اذا ظلت الآنتهاكات والمظالم تفعل مفعولها دون أن نوقفها ودون أن نشعر بالندم على السلوك المنحرف الذي أوغلنا فيه لسنوات طويلة . ان الاعتراف مع النفس يعطي نتائج ملموسة في تغيير تلك المسيرة التي لا جدوى منها .. انها مسيرة مظلمة مهلكة . ولعل ما نلمسه من التغيير هو اعطاء صورة صادقة في التعامل مع الآخرين دون خداع ، وأن التجرد من الاثرة والأطماع يمكن أن ينقذنا من أمراض اجتماعية قاتلة . انه اذا أصاب الغرور النفس فمن الصعب عليها أن تعترف يأخطائها ، ذلك أن الغرور يمحو كل المعاني الجميلة ويبدد الطاقات التي يمكن أن تستثمر للخير العام . ليس عيبا أن يراجع الانسان نفسه ليجلس في ساعة من ساعات اليوم متأملا فيما فعله ، فان كانت له أخطاء فعليه أن يرصدها ويتحرر منها ويبدلها بالتي هي أحسن وأفضل . وان كانت مسيرته على ما هي من الاستقامة فلا يتراجع . ان الكثير منا يخطأ ولا بأس في ذلك غير أننا اذا لم نعترف ولم نقبل بالتغيير فقد ظلمنا أنفسنا قبل أن نظلم غيرنا ، وهيهات أن يكون لحياتنا معنى بعد ذلك ، لان الضلال يركبنا وأن نفوسنا لم تتطهر من أدرانها لنبقى بعد ذلك أسرى الشهوات .. شهوات النفس الأمارة بالسوء . ان الحساب مع النفس أمر لا بد منه لمن يريد أن يكون لحياته معنى سواء مع الله أو مع ضميره أو مع الآخرين ، أما غير ذلك فلا جدوى لحياة ذليلة رخيصة .