أنا حَـسْبي في عـيْشِيَ الأحْــلامُ فعَــليْهــا أصْحـو وفــيهـا أنامُ وعـلى مَتْـنِهـا قَـطعْـتُ الفـيافي أمْـتَطـيهـا وفي يَـدَيَّ الـزِّمــام ومَضتْ بي تَجوبُ صحْراءَ عُمْري وبهـذا ضاعَـْت بِيَ الأعْـوام وكَـأنَّ الـسَّرابَ فـيهــا زَمــاني وكَـأنَّ الـرّمـالَ فــيهـا الطَّعـامُ بَـــدَويٌّ أنـا يَجــوبُ الــبَراري أَلِـفَـــــتْهُ الْــــوِهــــادُ والآكـام كلُّ هــذي الرُّبوعِ حَـــوْلي قِفارٌ وَبِقُــرْبي يعــيشُ فــيهـا الأَنام إنَّمــا لَسْـتُ أَلْمَـسُ الْــوُدَّ فــيهم بل وُجــوهاً طَغى عَليْها القَتام ونُفــوساً مَـريضةً فـي رُؤاهــا وَقُــلـوباً سَعى إلَـْـيهـا السَّقــام عيشَتي في الصَّحراءِ أكْثَرُ أمْناً وَائْتِناسـاً إذْ كانَ عندي السَّوام ثُبْـتُ مِـنْ حُلمِيَ الذي كُنْتُ فيه يَــــوْمَ أدْرَكْــتُ أنَّــهُ أوْهــــام أنا ســيزيفُ لم أزَلْ في عَــنـاءٍ وسَـأبْـقى حَــتى يَحِــمَّ الْحِـمـام إنَّمــا صَخْـرَتي نُفـوسٌ تَهـاوَتْ إنْ تُحَــلِّـقْ تَرْتَـدَّ وهْـيَ حُـطـامُ فَـــأراني لَمْــلَمْـتُهــا دونَ يَـأسٍ عَــلّها تَشْـفى أوْ يَجيءَ الْـتِـئـام وأُنــادي فَـلا أُلاقـي مُـجــيـبــاً يَتَمَــطّى لــوْ عَــزَّ مِنْهُ الـكَلام آهِ مـا أشْـقى مَـنْ يَكونُ وَحـيداً بَيْـنَ قَـــوْمٍ عَــنِ المَكارِمِ ناموا وخُــمـولٍ أنـاخَ فَــوْقَ جُـسـومٍ بــارِداتٍ كَــأنَّهـــــا أصْـــــنام رَقَــدوا والـــرُّقــادُ شَــرُّ بَـلاءٍ فـيهِ ذاقَـتْ هَــوانَها الأَقْـــــوام نَشَرَ الْـفَــجْـرُ نورَهُ مُـنْذُ حــينٍ ومَـعَ الضَّـوْءِ رفْـرَفَتْ أَعْـلام وَأَرى الشَّمْسَ في السَّماءِ تُنادي أَنْ أَفيقوا فَفي ضِيائي السَّـلام لِمَ لا تَنْهَـضونَ والـرَّكْبُ ماضٍ مَـنْ يَنَـمْ فَالمُـنى عَليْهِ حَــرام انْهَــضوا قدْ عَـمَّ الضِّياءُ وَأنْتـم في مَـكانٍ طَـغى عَـلـيهِ الظّلام انْهَـضوا لَمْ يَظَـلَّ حَيٌّ سِـواكُــمْ نائِمــاً قـدْ تَـدوسُـهُ الأَقْـــــدام!! آهِ يـا مـاضِـياً جَـمــيلاً تَـــوَلّـى فــيهِ تَحــيا القًـلـوبُ والأحْـلام سـاكِـنٌ في الفُــؤادِ يَبْقى جَديداً وَلَــهُ في أسْـمـاعِــنا أنْــغــــام كُلَّـما هَــبَّتْ مـنْ رِياضِكَ ريحٌ أوْ سَرى طَيْفٌ أوْ وَعَتْ أفْهام ثارَتِ الأدْمُــعُ الحَـزينَةُ تَهْـمي شاقَهـا لـلـرُّجـوعِ ذاكَ المَـقـام أيُّهـا الماضي لا نُريدُ رُجـوعاً أوْ نُكـوصاً وَقَـدْ دَعـانا الأَمـامُ إنّمـا أنتَ في القُـلــوبِ ضِـياءٌ مِـنْكَ يأتيـنا بِالـهُــدى إِلْـهــام نَحْـنُ نَبْـغــيـكَ لِلْحَــياةِ مَــناراً تتَجَـلّى في ضَـوْئِهِ الأَحْــــكام أُمَـمٌ قَـبْلَـنا إلى المَجْــدِ سارَتْ في يَدَيْــهـا يَراعُـهـا وَالحُـسامُ فَهْيَ تَبْني بِفِكْرِها صَرْحَ عِـزٍّ وَهْـيَ تَحْـمي بِعَـزْمِها ما يُقـام أَكْرَمَتْ نَفْسَها فَعَزَّتْ وَسادَتْ فَهْـيَ لِلــنّاسِ قُـــدْوَةٌ وَإِمـــــام يَدُها الْعُلْيا في المَحافِـلِ دَوْمـاً وَلَها الْأَمْرُ وَالرِّضى وَالْخِصامُ فَكَأَنَّ الأمْجــادَ وَقْــفٌ عَليْهــا وَكَأنَّ الْـــوَرى لَـهـــا خُــــــدّام فَـبِـكَـــدٍّ لا بـالـتَّسَـوُّلِ ســادوا هـكَـذا دائِمـــاً يَســودُ الهُـمــــام وَالْـيَدُ السُّفْـلى لَمْ تَزَلْ يَـدَ طاوٍ لِـبَـقــايـا فُــتـاتِـهِـــمْ قَــمّـــــــام فَــمَـتى يَشْعُـرُ المُواطِنُ يَوْماً أَنَّـــهُ فـي بِــــلادِهِ لا يُـضــــام عَرَبيٌّ في أرْضِهِ ليسَ عَـْبداً فــي عَــبـيــدٍ كأنـَّهُــمْ أَنْـعــــــام وَمَـتى يَـرْفَــعُ الظَّلامَـةَ عَنْهُ ظالِــمــاهُ: الـغَــريـبُ والحُــكّـام قدْ عَرَفْنا الأيّامَ سوداً وَبيضاً تِلكَ صَيْرورَةٌ عَـــليْهـا الــــدّوام فَجْأةُ الغـيْبِ لا مِراءَ سَتَأتي فَــارْتَقِـــبْ ما تخُـــطُّـهُ الْأقْــلام وَاحْبِسِ الأَنْفاسَ الحَزينَةَ واهْدَأْ وارْتَـقِـــبْ مـا تُـخَــبِّئُ الأيّـــامُ ---------------------------------- الشاعر حسن منصور [من المجموعة الثانية عشرة؛ ديوان (عندما تنكسر الدائرة) ص 35]
top of page
bottom of page