top of page
صورة الكاتبAdmin

تشجيع الإسلام على العلم  -  د.صالح العطوان الحيالي - العراق


تشجيع الإسلام على العلم - د.صالح العطوان الحيالي

------------------------------------------------- عرفت البشريّة العلوم المختلفة منذ القدم، فقد نقلت لنا الكتب ما كتبه اليونان القدماء وما قدّموه في مجال العلوم مثل أرسطوطاليس وفيثاغورس وغيرهم، وقبل أن تصل دعوة الإسلام إلى جزيرة العرب كانت تموج في ظلمات الجهل والضّلال والتّيه. قد بلغ هذا الجهل بالنّاس مبلغاً كبيراً حتّى ذهب بعقولهم وبصائرهم التي عميت أن تدرك خالقها، فاصطنعت بأيديها آلهة من طين تعبدها من دون الله تعالى، وقد أذنت كلمات الوحي جبريل عليه السّلام للّنبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام ببداية عهدٍ جديد للعلم والبصيرة، حينما تُليت آيات الله تعالى التي تدعو إلى القراءة والعلم، بقوله تعالى (اقرأ باسم ربّك الذي خلق ) أمر الإسلام أتباعه بأن يجعلوا قضية العلم قضية أساسية في حياتهم وأمرهم أن يرفعوا من قدر العلماء . لا شك أن طريق السعادة لا بد أن يمر على دروب العلم والحضارة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يمر على أودية الجهل أو التخلف، ولا يوجد دين ولا فكر رفع قدر العلماء وأكرم معاملتهم وحث على طلب العلم وإعمال العقل ودعا إلى التدبر والتفكر مثل دين الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والذي صنع حضارة كبيرة توسعت مكانًا في مشارق الأرض ومغاربها، ولذا فإن بعثته صلى الله عليه وسلم تعد بمنزلة ثورة علمية حقيقية في بيئة ما ألفت روح العلم وما تعودت عليه، فجاء الإسلام ليبدأ العلم، ويضيء الدنيا بنور الهداية الربانية، فقال تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، فليس هناك مكان في هذا الدين للجهل أو الظن أو الشك أو الريبة، وكان أول ما نزل على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1- 5] سبب اهتمام الإسلام بالعلم ــــــــــــــــــــــــــــــــــ إنّ العلم هو سبيل معرفة الخالق سبحانه وتعالى وتلمّس آياته في الكون والآفاق، قال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)، كما قال جلّ وعلا: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ )، فسبيل الوصول إلى معرفة الله تعالى وتبيّن الحقّ والحقيقة يكون من خلال إعمال العقل والتّفكر والتّعلم. إن العلم يرتقي بإيمانيّات المسلم فيزيد خوفه من الله وخشيته منه سبحانه، فالإنسان عندما يدرك حقيقة ما يحدث في الكون من سننٍ ومعجزات ربّانيّة تدلّ على الخالق، يعلم أنّ مقاليد حياته بكلّ جوانبها بيده سبحانه جلّ وعلا، لذلك وصف الله سبحانه وتعالى العلماء بأنّهم أشدّ خشية من غيرهم من النّاس، قال تعالى (إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) .إنّ العلم هو سبيل بناء الأمّة الإسلاميّة القويّة التي يرهبها الأعداء، لذلك حرص المسلمون في معركة بدر أن يكون فداء رجال من أسرى المشركين أن يقوموا بتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة، وهذا الأمر يدلّ على اهتمام المسلمين الكبير بالعلم. كما حرص كثيرٌ من الخلفاء المسلمين على إنشاء دورٍ للعلم تتوافر فيها المراجع والأبحاث، ويطرح فيها العلماء ما يشاؤون من أفكار في مجالات العلم المختلفة مثل دار الحكمة، وبيت الحكمة اللّذين تأسّسا في العراق ومصر، وقد كان الخليفة المأمون يحرص على ترجمة الكتب التي تشتمل على علوم الغرب، حتّى ينتفع منها المسلمون ويرتّب على ترجمتها الجوائز الكبيرة. طريقة الإسلام المنهجية العلمية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أتى بالحق الصريح من قبل أكثر من ألف سنة، من قبل أن يكون هناك معلم أو مدرس من البشر، ولو أن كل صاحب علم من العلوم أو فن من الفنون قارن كل الآيات القرآنية المرتبطة بما تعلَّم جيدًا، كما قارنت؛ لأذعن للقرآن بلا شك، إن كان عاقلًا خاليًا من الأغراض". جاء الإسلام بالطريقة المنهجية العلمية؛ فمثلًا حذر الإسلام من التقليد بلا عقل: يقول سبحانه عن المشركين {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170] وعن اتباع الظن بدون منهج علمي؛ قال تعالى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } [الأنعام: 116]، وعن الهوى الذي يخالف العلم والمنطق والعقل والدراسة؛ قال تعالى {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 119]، وعن البغض والكراهية التي تبعد عن العدل؛ قال{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]. وعن الموضوعية العلمية؛ قال تعالى عن اليهود {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [النساء: 46]، وعن عدم البغي والشقاق؛ قال تعالى {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ} [الشورى: 42]، وعن الأمانة العلمية مع العدل بين الناس؛ قال {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، وعن العدل والقوامة بالقسط والشهادة بالحق؛ قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[النساء: 135] وعن أهمية البحث عن الدليل والبرهان والحجة؛ قال {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64] . مظاهر حرص الإسلام على طلب العلم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : لقد كان العلماء قبل الإسلام منعزلين عن العامَّة، وكانت الفجوة بينهما كبيرة، فالعلماء في فارس أو في روما أو عند اليونان كانوا يعيشون في عزلة تامَّة، تقوم بينهم المناظرات والنقاشات، ويتوارثون العلم فيما بينهم، بينما تعيش العامَّة في جهل مُطبِق، وبُعدٍ تامٍّ عن أي صورة من صور العلم، لكن الإسلام كان شيئًا آخر. فقد جاء رسول الله (ص) ليقول بالحرف الواحد: "طَلَبُ الْعِلْـمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" . لتصبح القضية واجبًا دينيًّا، وقضيَّة شعبيَّة مفروضة على الجميع؛ إذ يجب أن يطلب الجميعُ العلمَ، ليصبحوا جميعًا متعلِّمين، لم يُستثنَ من ذلك رجل أو امرأة. وقام رسول الله r بالتطبيق العملي لهذا المنهج عندما وافق أن يُطلِق سراح أسرى غزوة بَدْر في نظير أن يقوم كل منهم بتعليم عشرة من أهل المدينة المنورة القراءة والكتابة، فكان هذا فكرًا حضاريًّا لم يكن معروفًا البتَّة في العالم في ذلك الوقت، ولا حتى بعد ذلك الوقت بقرونٍ. وقد أمر الإسلام أتباعه في ذلك بأن يجعلوا قضية العلم قضية أساسيَّة في حياتهم، وأمرهم أن يرفعوا من قدر العلماء، إلى الدرجة التي قال فيها رسول الله (ص): "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْـمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْـجَنَّةِ، وَإِنَّ الْـمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْـمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْـحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْـمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْـمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" . مظاهر الحركة العلمية في الإسلام ولقد استمرَّت هذه الحركة العلميَّة الشعبيَّة بعد وفاة الرسول (ص)، فظهرت آثارها ومظاهرها الرائعة، والتي كانت تُعَدُّ أحلامًا بالنسبة للأوربيين. ونكتفي هنا بذكر ثلاثة مظاهر لهذه الحركة العلميَّة الشعبيَّة التي أَسَّس لها الإسلام: 1- المكتبات العامة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: انطلاقًا من هذا الحثِّ وذاك التشجيع الذي بات من صميم الدين، أسَّس المسلمون المكتبات العامَّة المفتوحة لعموم الناس، فكانوا يقرءون فيها بالمجَّان، وينسخون ما يريدون من صفحات العلم المختلفة، بل وكان كبار الخلفاء والأمراء يستضيفون في هذه المكتبات طلاَّب العلم من البلاد المختلفة، ويُنْفِقون عليهم من أموالهم الخاصَّة. وقد وُجِدَتْ هذه المكتبات بكثرة في كل مدن العالم الإسلامي ، ولعلَّ من أشهرها مكتبات: بغداد، وقرطبة، وإشبيلية، والقاهرة، والقدس، ودمشق، وطرابلس، والمدينة، وصنعاء، وفاس، والقيروان. 2- ظهور مجالس العلم الضخمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : فقَبْلَ الإسلام لم يكن هناك من يتكلَّم من العلماء مع عامَّة الناس، أمَّا بعد ظهور هذا الدين العظيم فقد انتشرت حلقات العلم في كل ربوع العالم الإسلامي، وكانت تصل في بعض الأحيان إلى أرقام غير متخيَّلة؛ فمجلس ابن الجوزي مثلاً كان يحضره أكثر من مائة ألف إنسان! كلهم من عامَّة الشعب، وكذلك مجالس الحسن البصري، وأَحمد بن حنبل، والشافعي، وأبي حنيفة، والإمام مالك، بل وكان هناك أحيانًا في داخل كل مسجد أكثر من حلقة علم في وقت واحد؛ فهذه في تفسير القرآن، وهذه للفقه، وأخرى للحديث النبوي، ورابعة للعقيدة، وخامسة لدراسة الطبِّ، وهكذا. 3- اعتبار أن الإنفاق على العلم صدقة وقربة إلى الله تعالى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : وهذا جعل الموسرين من أبناء الأُمَّة يُنْفِقون أموالهم على بناء المدارس ودور العلم، بل ويُوقفون الأوقاف الكثيرة لرعاية طلاَّب العلم، وبناء المكتبات، وتطوير المدارس، فصار هذا الإنفاق على العلم بابًا من أبواب الخير لرجال الاقتصاد كذلك، وليس لرجال العلم فقط. وهكذا كانت قضية العلم عامَّة، تهم وتخص الجميع؛ حيث طلب العلم واجب وفريضة على كل مسلم، ومِن ثَمَّ انتشرت المكتبات وكثرت مجالس وحلق العلم، وانمحت الأمية القرآن الكريم والعلم الحديث ــــــــــــــــــــــــــــ في العصر الحاضر أدرك كثيرٌ من العلماء أنّ القرآن الكريم قد سبقهم بآلاف السّنين في بيان حقيقة كثيرٍ من الظّواهر والآيات في الكون، كما أسلم عددٌ من علماء الغرب حينما تعرّفوا على سبق القرآن والإسلام في تحديد كيفيّة خلق الجنين في بطن أمّه بدقةٍ متناهية، وغير ذلك الكثير من الآيات التي اكتشف أسرارها العلماء


١١ مشاهدة٠ تعليق
bottom of page