top of page
صورة الكاتبAdmin

المنصور بن ابي عامر - د. صالح العطوان الحيالي


المنصور بن ابي عامر - د. صالح العطوان الحيالي

-------------------------------------------------

الاسطورة التي لا تنسى "المنصور بن ابي عامر " رحمه الله 1-1-2018 محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبى عامر بن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك المعافرىّ القحطانىّ , من أصول يمنية , جده الأكبر "عبد الملك المعافرى" هذا كان أحد قادة الجند مع طارق بن زياد أثناء فتح الأندلس الأول . وكان أبوه "عبد الله بن محمد" من أهل الفضل والعلم حجّ ثم مات قافلاً من حجه – رحمه الله – في طرابلس المغرب. وأمه هي "بُريْهة بنت يحيى بن زكريا التميمىّ " من بنى تميم , لذلك قال فيه ابن دارج القسطلىّ : تلاقت عليه من تميمٍ ويَعْرُبِ ... شموسٌ تلالا في العلا وبدورُ مـن الحِمــيْريْنَ الذين أكُفُّهـم ...... سحـائبُ تَهْمي بالنَّدى وبحــورُ وُلد محمد بن أبى عامر عام 327هـ , وهو العام الذي انهزم فيه المسلمون في عهد عبد الرحمن الناصر – رحمه الله – في معركة الخندق عند مدينة "شنت مانقش" أمام قلعة سمّورة المنيعة , وكأن ميلاد محمد بن أبى عامر في هذه السنة هو أخذ الله بثأر المسلمين على يدى المنصور .أصله من "تركش" في الجزيرة الخضراء في جنوب الأندلس , نشأ محمد بن أبى عامر كمثله من أقرانه على القرآن والفقه إلا أنه كان ظاهر النجابة وكانت له حال عجيب في قوة الإرادة والطموح والسعى وراء هدفه حتى قال عنه ابن الآبار في كتابه "الحلة السيراء" : كان أحد أعاجيب الدنيا في ترقيه والظفر بتمنيه ...كان من أعظم من حكم الأندلس على الإطلاق , الرجل الذي وطأت خيله أماكن لم يطأها خيل المسلمين من قبل يكفي ذكر اسم المنصور بن أبى عامر أمام ملوك قشتالة وليون وجيليقية ليجثوا على ركبهم من الرعب والهلع , كان لربما الواحد منهم أرسل ابنته جارية عند المنصور في قرطبة لينال رضاه .. ووصلت جيوشه إلى حيث لم يصل حاكم أو خليفة قبله قط , وغزا أكثر من 54 غزوة في الأندلس فلم تنتكس له فيها راية ولم تهلك له سرية ولم ينهزم له جيشٌ قط آثــاره تنبيـك عن أخبــاره .... حتـى كأنــك بالعيـــان تـراهُ تالله لا يأتي الزمان بمثله .... أبدًا ولا يحمي الثغور سواهُ لافتة في أحد الطرق الأسبانية لمدينة الجزيرة الخضراء ومكتوبة بالخط العربى وقال عنه ابن عذارى المراكشىّ في كتابه "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب" : وكان محمد هذا حسن النشأة , ظاهر النجابة , تتفرس فيه السيادة ... ارتحل محمد بن ابى عامر إلى قرطبة حاضرة الدنيا طلباً للأدب وعلم الحديث , فطلب علم اللغة على أبى علىّ القإلى البغدادىّ اللغوى المشهور وعلى أبى بكر ابن القوطية , وقرأ الحديث على أبى بكر ابن معاوية القرشىّ وغيره , فنبغ في تلك العلوم كلها ونما ذكره فيها . حلم المنصور بن أبى عامر ــــــــــــــــــــــــــــــ كان محمد بن أبى عامر – رحمه الله – له همة عجيبة وإرادة قوية وكان لديه حلما عظيما وهو أن يصبح حاكم الأندلس وقد كان – رحمه الله – يخبر أصحابه بهذا والمقربين إليه , حتى أنه لربما قلدهم الخُطط والمناصب وهو مازال في حداثة سنّه واليكم هذه القصة التي أوردها ابن الخطيب في كتابه " اعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام " وأوردها أيضا ابن النباهي في ترجمة القاضى الجليل محمد بن يبقى بن زرب في كتابه " المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الافتاء" يقول : ( ومن أعجب أحواله – أى محمد بن أبى عامر – أنه كان على بصيرة من أمره , هانئاً بما ذخرت له الأيام في حداثة سنّه , فكان يتكلم في ذلك بين أصحابه , ويشير إلى ما خبأ الله له من غيبه , فحدث ابن ابى الفيّاض في كتابه قال : أخبره الفقيه أبو محمد علىّ بن أحمد , قال : أخبرنى محمد بن موسى بن عزرون , قال : أخبرنى أبى قال : اجتمعنا يوماً في متنزه لنا بجهة الناعورة بقرطبة , ومعنا ابن أبى عامر , وهو في حداثته , وابن عمه عمرو بن عسقلاجة , والكاتب ابن المارعزّى ورجلٌ يعرف بابن الحسن من جهة مالقة , كانت معنا سفرة فيها طعامٌ , فقال المنصور من ذلك الكلام الذي كان يتكلم به : لا بد لى أن أملك الأندلس , وأقود العسكر , وينفذ حكمى في جميع الأندلس , ونحن نضحك منه ونهزأ به . وقال : تمنّوا علىّ , فقال ابن عمه عمرو : " أتمنّى أن تولينى على المدينة , نضرب ظهور الجناة ونفتحها مثل هذه الشاردة " , وقال ابن المارعزّى : "أشتهي أن تولينى أحكام السوق " , وقال ابن الحسن : "نتمنّى أن تولينى القضاء بجهتى " , قال موسى بن عزرون : وقال :< تمنّى أنت , فشققت لحيته , وأسمعته كلاماً سمجاً قبيحاً ... فلم يك إلا أن صار الملك إليه , فولى ابن عمه المدينة , وولى ابن المارعزّى السوق , وكتب لابن الحسن بالقضاء , قال : "وأغرمنى أنا مالاً عظيماً , أجحفنى وأفقرنى لقبيح ما كنت جئت به .." ) انتهي كلام ابن الخطيب . وايضا قصة أخرى عجيبة من قصص المنصور بن أبى عامر في هذا الجانب ذكرها أبو الحسن النباهي في كتابه (المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا) أنقلها لكم بتصرف : (كان المنصور بائتاً ليلة مع أحد إخوانه في غرفة، فرقد رفيقه، ودنيُّه، ولم يرقد هو قلقاً وسهراً فقال له صاحبه: يا هذا قد أضررتني هذه الليلة بهذا السهر , فدعنى أرقد ... فقال المنصور: إنني أتفكر في من يصلح أن يكون قاضياً للأندلس، ولمّا استغرب صاحبه ذلك، قال له: "يا هذا أأنت أمير المؤمنين؟ فقال له: "هو كذلك". ثم أخذ صاحبه يعرض بعض أسماء القضاء وقال : يصلح فلانٌ ويصلح فلانٌ , ومحمد بن أبى عامر لا يجوز من المذكورين أحداً , حتى ذكر صاحبه "أبي بكر محمد بن يبقى بن زرب" العالم الجليل الفاضل ، فتهللت أسارير وجه محمد بن أبى عامر وقال : يا هذا فرجت عنّى , ليس بالله يصلح لها أحدٌ غيره > ثم رقد ونام مطمئناً ) هكذا كان المنصور بن أبى عامر في حداثة سنّه يحدّث نفسه بحكم الأندلس , وأن يقود العسكر وينفذ حكمه فيها , فكان يضع هذا الهدف نصب عينيه ويعمل له ويخطط من أجله ويسعى من أجل تحقيقه .. حياة محمد بن أبى عامر في قرطبة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اقتعد محمد بن أبى عامر دكانا عند الزهراء – المدينة الملكية التي بناها عبد الرحمن الناصر – أيام الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – يكتب شكاوى الناس أو طلباتهم أو حاجاتهم التي يرفعونها إلى الخليفة او الحاجب , وكان يأنس إليه فتيان القصر وظل على ذلك مدة حتى رفع ذكره وعلا شأنه وبدأ نجمه في الظهور.حتى طلبت السيدة صبح زوج الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – وأم ولى العهد "هشام" من يكتب عنها , فدلوها على محمد بن أبى عامر , فترقى إلى ان كتب عنها , فاستحسنته ونبهت عليه الحكم المستنصر – رحمه الله – ورغبت في تشريفه بالخدمة .ومن ذلك اليوم وبدأ نجم محمد بن أبى عامر في الظهور وظهرت منه نجابة وذكاء أعجبت الحكم المستنصر – رحمه الله , فترشح إلى وكالة ولى العهد "هشام" لسنة 359هـ , فأعجبت به الحكم المستنصر , فولاه قضاء بعض الكور بأشبيلية , ثم ترقى إلى المواريث والزكاة , فأظهر حسن التدبير مع ما له من الرأى السديد فأعجب به الحكم المستنصر – رحمه الله – فولاه الشرطة الوسطى بقرطبة , ثم أصبح صاحب السكة , ثم قدمه إلى الأمانات بالعدوة .... وظل محمد بن أبى عامر في ترقى مستمر وبدأ بزوغ فجره ومن ورائه فجر الأندلس كلها , حتى لازم الحكم المستنصر – رحمه الله – وأوكل إليه القيام على أمر ولى العهد "هشام" بن الحكم المستنصر , فبذلك أصبح محمد بن أبى عامر في منزلة رفيعة جدا .وكان محمد بن أبى عامر يصطنع الرجال من حوله ويمهد لنفسه وكان يتخذ رجاله من البربر من أهل العدوة لخشونتهم وصلابتهم عند الحروب , ولكى يقوم بالقضاء على الصقالبة ويدمر نفوذهم فيما بعد كما سيأتى. وبذلك أصبح محمد بن أبى عامر من كبار رجال القصر وهو مازال في العقد الثالث من عمره , وليس يضاهيه في منزلته إلا الحاجب – بمثابة رئيس الوزراء - جعفر المصحفي وقائد جيش الثغور غالب الناصرىّ , وأصبح محمد بن أبى عامر حديث العامة في قرطبة , فكان لا يمر يوم إلا وهو في زيادة ترقى , فكانت أيامه في إقبال وتخبر عن سعده وبزوغ فجره وسطوع شمسه , فتمكن حبه للناس وكان بابه مفتوح لهم على الدوام , وأفشى الأمن في قرطبة بعدما ضجت العامة من ضياع الأمن لكثرة اللصوص وتسلط الفتيان الصقالبة على العامة فقد ظهر وفشى ظلمهم وبغيهم , حتى قضى عليهم محمد بن أبى عامر كما سيأتى بيانه إن شاء الله . وفاة الحكم المستنصر -ر حمه الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توفي الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – في قصره بقرطبة بعدما أصيب بالفالج , وذلك في عام 366هـ , بعد أن حكم الأندلس 16 عاماً كانت كلها بركة وخير على المسلمين في الأندلس , وولى من بعده ابنه "هشام" وهو ابن اثنتى عشرة سنة 12 سنة !! وتسمّى وتلقب " هشام المؤيد بالله " , وكان وقتها بلغ محمد بن أبى عامر 39 عاماً , فكان لابد من رجل يدبر أمره ويقوم على عمل الدولة وتدبير الخلافة . فتكون مجلس وصاية على الخليفة الصبىّ ويتكون من أكبر 3 رجال في الأندلس وقتها وهم : 1- الحاجب جعفر المصحفي 2- قائد الثغور غالب الناصرىّ 3- قائد الشرطة وحاكم المدينة محمد بن أبى عامر عند وفاة الحكم المستنصر – رحمه الله – جاشت الروم وهاجت حتى كادت تطرق أبواب قرطبة , ولم يحرك الحاجب جعفر المصحفي ساكناً خوفاً على منصبه وتبعه في ذلك غالب الناصرىّ قائد الثغور وكانت بينه وبين الحاجب جعفر المصحفي خلافة قديمة وبغضاً وكراهية شديدة , فلم يقم أى منهما لنصرة المسلمين وتأديب النصارى الذين هجموا على ثغور المسلمين .قال ابن حيان ( ... وجاشت النصرانية بموت الحكم وخرجوا على أهل الثغور فوصلوا إلى باب قرطبة ولم يجدوا عند جعفر المصحفي غناء ولا نصرة وكان مما أتى عليه أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم لما تخيله من أن في ذلك النجاة من العدو ولم تقع حيلته لأكثر منه مع وفور الجيوش وجموع الأموال وكان ذلك من سقطات جعفر فأنف محمد بن أبي عامر من هذه الدنية .. ) فقام محمد بن أبى عامر بأخذ رجاله وطلب من جعفر المصحفي أن يمده بالرجال والعتاد والمال اللازم للقيام بحملة لتأديب النصارى وليعلموا أن مازال بالمسلمين شوكة ومنعة , وبالفعل قام المنصور بحملة عظيمة جدا في الشمال وغنم من السلاح والأموال الشيىء الكثير . وقفل راجعا إلى قرطبة بعد 52 يوما من الغزو والجهاد وكان يوزع المال في طريق عودته إلى قرطبة على الجند والعوام حتى تمكن حبه في قلوب الناس , واستبشروا به جدا . وكان وصياً على الصبى هشام المؤيد بالله , فقام بإسقاط ضريبة الزيتون عن الناس , فسروا بذلك أعظم سرور , ونسب شأنها إلى محمد بن أبى عامر وأنه أشار إلى ذلك , فأحبوه لذلك ثم يقول ابن عذارى في "البيان المغرب " : ( ولم تزل الهمة تحذوه , والجد يحظيه , والقضاء يساعده , والسياسة الحسنة لا تفارقه , حتى قام بتدبير الخلافة , وأقعد من كان له فيها إنافة , وساس الأمور أحسن سياسة , وداس الخطوب بأخشن دياسة , فانتظمت له الممالك , وانضحت به المسالك , وانتشر الأمن في كل طريق , واستشعر اليمن كل فريق , وأسقط جعفرا المصحفي , وعمل فيه ماأراده ... ) والتف المسلمون حول محمد بن أبى عامر , في الوقت الذي بدأت أيام الحاجب جعفر المصحفي في الزوال , فقد أفل نجمه وكورت شمسه ورغب الناس عنه , وأصبح يمشى وحيدا في طرقات الزهراء بعد ان كان من قبل كثيف الموكب وجليل الهيبة وكان الناس لا يستطيعون إلى الوصول إليه لكثافة موكبه . ثم أقدم محمد بن أبى عامر بالتحالف مع غالب الناصرىّ وتزوج ابنته "أسماء" وكان عرس مشهود في الأندلس كلها , وبدأت نكبة الحاجب جعفر المصحفي , فخلعه محمد بن أبى عامر وأصبح الحاجب من بعده .. فسبحان من يدبر الأمر وهكذا حال الدنيا , فظلّ في تلك المحنة حتى نكبه محمد بن أبى عامر وسجنه في سجن المُطبّق في الزهراء حتى مات في سجنه , وكان جعفر المصحفي يستعطف الحاجب محمد بن أبى عامر ويرسل له أبياتا : هبني أســـأت فأيـن العفـو والكرم ... إذ قادنـي نحـوك الإذعـان والنـدمُ يـا خـير مـن مـدت الأيـدي إليه ..... أمـا ترثي لشيــخٍ رمـاهُ عندك القلـمُ بالغت في السخط فاصفح مقتدر ...... إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا فما زاده ذلك إلا حنقا وحقدا, فكتب إليه : الآن يـــا جـــاهلا زلـــت بـــك القـــدم .... تـبـغي التـكــرم لمــا فـاتــك الكـــرمُ أغـــريـت بــي مـلكـا لـــولا تـثـبــته ..... مــا جـــاز لـي عنــده نـــطق ولا كلـــمُ فايأس من العيش إذ قد صرت في طبق ..... إن الملوك إذا مـا استنقموا نقموا نفــسي إذا سـخطــت لـيست براضيـــة ..... ولـو تشفـع فيــك العـــرب والعـجمُ وحين جاء الأمر بسجن الحاجب جعفر المصحفي , ودّع أهله وابنائه , ومن عجيب ما قاله جعفر المصحفي في هذا الأمر أنه كان ينتظر هذا منذ 40 أربعين سنة , وذلك لأنه سجن أحد الناس ظلما في سجن المُطبّق بالزهراء فقام السجين وتضرع إلى رب العالمين ودعا وقال فيما معناه : اللهم عليك بكل من ساعد في سجنى ظلما وأهلكه في غيابات السجون ...سبحن الله ... هذا يوم إجابة الدعاء وبالفعل سُجن جعفر المصحفي في سجن المُطبّق بالزهراء ومات فيه ....وكان المؤرخون يشبّهون نكبة المصحفيين – آل جعفر المصحفي – بنكبة البرامكة في المشرق أيام هارون الرشيد – رحمه الله - , وهكذا بدأت شمس محمد بن أبى عامر تسطع على الأندلس , وبدأ عهد جديد في الأندلس , عهدٌ ما رأت الأندلس مثله ولا حتى أيام عبد الرحمن الناصر – رحمه الله - , إنه عهد الحاجب المنصور عهد الحاجب المنصور ــــــــــــــــــــــ تحجب محمد بن أبى عامر لهشام المؤيد بالله , وحجره في قصره بالزهراء ومنع دخول الناس إليه وتصرف بالملك بنفسه واتخذ جميع مراسم الملك , ونقش اسمه على السكة , وخطب له على المنابر , تلقب "بالمنصور" وأصبح يدعى ( الحاجب المنصور ) , وابتدأ معه عهد جديد للأندلس ما عرفت مثله من قبل . كانت من أول أعمال المنصور أنه نكب الصقالبة وأخرجهم من الزهراء بعدما فشى ظلمهم وتوحدت كلمتهم بعد موت الحكم المستنصر – رحمه الله – وظنوا أن لا غالب لهم , فاستبدل المنصور بهم البربر من أهل العدوة من زناتة وبنى برزال وغيرهم واستكثر منهم جدا وأصبحوا هم أهل خدمته وزينة ملكه . والحديث عن المنصور بن أبى عامر مرتبط بالضرورة بالحديث عن جهاده وغزواته ضد الممالك النصرانية في الشمال , وسنفصل هذا لاحقاً إن شاء الله ... هيبته وحزمه ـــــــــــــــــ كان رحمه الله حازما شديد الهيبة , ماسمعنا أن أحدا من ملوك الإسلام قديما وحديثا من هو بمثل هيبته إلا ماكان من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رحمه الله ورضى عنه , وفي ذلك يقول ابن سماك العاملى في كتابه "الزهرات المنثورة في نكت الأخبار المأثورة " : ( انتهت هيبة المنصور بن أبى عامر وضبطه للجند واستخدام ذكور الرجال وقوّام الملك إلى غاية لم يؤتها ملكٌ قبله , فكانت مواقفهم في الميدان على احتفاله مثلا في الزماته والإطراق , حتى أن الخيل لتتمثل إطراق فرسانها , فلا تكثر الصهيل والحمحمة ) وكان لربما يتساهل في أى أمر من الأمور إلا التساهل في أمر من أمور الدولة وما يتعلق بهيبة الدولة , وقد وصلت هيبته إلى ملوك النصارى في الشمال فكانوا يهتزون ويرتجفون فرقا ورعبا من ذكر اسمه وكاد الواحد منهم أن يهذى كالسكران اذا علم بقدوم المنصور بن أبى عامر إليه بجيش المسلمين لغزوه أى رجل كان رحمه الله ..... دينه وورعه ـــــــــــــــــ كان رحمه الله شديد التدين , قمع أهل البدع وأقام السنة , وبلغه أن مكتبة الحكم المستنصر – رحمه الله – بها كتب بعض الفلاسفة والملاحدة التي تنافي أصول الدين , وعلم بانتشار تلك الكتب وكادت أن تفسد عقائد الناس فقام بحرقها والتخلص منها ولله الحمد والمنة , وفي هذا يقول ابن عذارى في كتابه (البيان المغرب .. ) : ( وكان المنصور أشدّ الناس في التغير على من عَلِمَ عنده شيىء من الفلسفة والجدل في الاعتقاد والتكلم في شيىء من قضايا النجوم وأدلتها , والاستخفاف بشىء من أمور الشريعة , وأحرق ما كان في خزائن الحَكَم من كتب الدّهريّة والفلاسفة بمحضر كبار العلماء , منهم الأصيلىّ وابن ذكوان والزبيدىّ وغيرهم , واستولى على حرق جميعها بيده ... ) انتهي كلام ابن عذارى. وكان شديد التعظيم للعلماء بدرجة كبيرة جدا , فقد ذكر النباهي في كتابه "المرقبة العليا" في ذكره لترجمة العالم الجليل محمد بن يبقى بن زرب حين وفاة الإمام : ( وأظهر ابن أبى عامر لموته غمّاً شديداً , وكتب لورثته كتاب حفظ ورعاية انتفعوا به , واستدعى ابنه محمد , وهو طفلٌ ابن ثلاثة أعوام , فوصله بثلاثة آلاف دينار , وألطافٍ قيمتها ما يناهز العدد المسمّى ..... وليس ذلك من أفعال المنصور ببدع , فقد كان في حسن معاملته للناس والوفاء لهم بمنزلةٍ لا يقوم بوصفها كتابٌ , حتى يُقال إنه لا يأتى الزمان بمثله في فضله , ولا طفرت الأيدى بشكله ... ) انتهي كلام النباهي .. أرأيتم كيف يكون معاملة الحاكم والأمير للعلماء , فلا ينكرون فضلهم ولا يستغنون عن مشورتهم بل ويمتثلون أمرهم , وبهذا يكون النصر والتمكين ....وايضا فيما ورد عن دينه وتواضعه ما ذكره ايضا النباهي في كتابه "المرقبة العليا" في ترجمة الإمام محمد بن يبقى بن زرب عند صلاة الاستسقاء في قرطبة , وأخبر أنه صلى 10 مرات صلاة الاستسقاء فحضر معه مرة المنصور بن أبى عامر فكان من أمره ما ذكره النباهي في كتابه : ( حضر معهم المنصور محمد بن أبى عامر استسقاءاً واحداً , ولبوسه ثيابٌ بيضٌ وعلى رأسه أُقرُفُ وشْىٍ أغبر , على شكل أهل المصايب بالأندلس قديماً , قد أبدى الخشوع , وهو باكٍ ودموعه تسيل على لحيته : فتقدم إلى جناح المحراب عن يمين الإمام , وقد كان فُرش له هنالك حصيرٌ ليُصلّى عليه , فدفعه برجله وأمر بنزعه وجلس على الأرض , وشهد الاستسقاء ) انتهي كلام النباهي ... هذه والله هي العزة والكرامة , فإذا خشع الحاكم والأمير استجلب معه رحمات الله , كما قال الإمام المنذر بن سعيد حين أخبروه بأن الخليفة عبد الرحمن الناصر يبكى بكاء مريرا من الخشوع والخشية ويبتهل إلى الله بنزول المطر , فقال المنذر بن سعيد – رحمه الله - : أبشروا .. اذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء وقد أخبر ابن حيان في كتابه عن المنصور بن أبى عامر : ( وكان متسماً بصحه باطنه , واعترافه بذنبه , وخوفه من ربه , وكثرة جهاده ,واذا ذُكّر بالله ذكر , واذا خُوّف من عقابه ازدجر ... ) وقال ابن خلدون مخبرا عن المنصور بن أبى عامر : ( أرخص للجند في العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع , وكان ذا عقل ورأى وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين .. ) هكذا كان حكامنا وعلاقتهم مع الله , وما ارتبط اسم أحد من عظماء المسلمين بالعزة والمجد إلا ووجدته له حال عجيب مع الله سبحانه وتعإلى , وهذا من سنن الله في الكون , من استمسك بالله وجبت له العزة والتمكين . بل أن المنصور – رحمه الله – اختط بيده مصحفاً كان يحمله معه في غزواته ويقرأ فيه ويتبرك به !!! , وكان يحمل معه أكفانه وكان أمنيته التي يدعوا الله بها دائما أن يتوفاه الله وهو في طريقه للغزو والجهاد , والحديث عن جهاد المنصور يطول جدا لذا قمت بإختصاره كما سيأتى إن شاء الله ...وكان المنصور بن أبى عامر على مذهب الإمام مالك على عادة أهل الأندلس وقتها وقد أمر المنصور الفقيه المشهور أبو مروان القرشى المعيْطى والفقيه أبو عمر أحمد بن عبد الملك المعروف بابن المكوى أن يجمعوا كتابا فيه أقاويل الإمام مالك بن أنس – رضى الله عنه - وروايات أصحابه عنه لينتفع به علماء المسلمين وذكر ابن سماك العاملى في كتابه "الزهرات المنثورة" , وذكرها ابن الآبار في "إعتاب الكتاب" وغيرهما , قال خلف بن حسين بن حيان , وهو والد أبى مروان ابن حيان صاحب كتاب "نفح الطيب" وكان أبوه من كتاب المنصور بن أبى عامر , فأخبر عن نفسه وقال : ( بكّتنى المنصور محمد بن أبى عامر يوماً على ما أنكره منى تبكيتاً بعث من فزعى ما اضطربت منه , فلما أخلى مجلسه قال لى : رأيت من فزعك وشدة روعك ما استنكرته منك , ومن وثق بالله برىء من الحول والقوة لله , وإنما أنا آلة من آلات الله تعإلى , أتصرف بمشيئته وأسطو بقدرته وأعفو عن إذنه , ولا أملك لنفسى إلا ما أملك من نفسى لسواى , فطأمن جأشك وأزل عنك روعك , فإنما أنا ابن امرأة من تميم طالما تقوتت بثمن غزلها , أغدو به إلى السوق وأنا أفرح الناس بمكانه , ثم جاء من أمر الله ما تراه , ثم قال : يابن حيان , إن أفضل الناس غراسا من غرس الخير , وإن أفضل السلطان غراسا ما أثمر في الآخرة , ومن أنا عند الله تعإلى لولا عطفي على المستضعف المظلوم وقصمى للجبار الغشوم اللاهي عن حقوق ربه بفسوقه ودنسه .. هكذا كان تواضعه واعترافه بفضل ربه عليه .. عدله في الرعية ــــــــــــــــــــــ كان رحمه الله عادلاً يكره الظلم والبغى , وكان لا يستهين بأمر الظالم , بل لربما أمر بتغليظ العقوبة عليه ليرتدع أهل الشرور وكان لا يقبل شفاعة أحد أبداً ولو كان من المقربين إليه , بل وإن كان من أهله .ومن أروع الأمثلة التي ضربها المنصور بن أبى عامر في العدل وعدم الرفق بأهل الغدر والظلم , ما حدث مع ابنه عبد الله بن المنصور بن أبى عامر حين لجأ إلى ملك ليون وأراد أن يساعده في الخروج على أبيه وشق عصا الطاعة وعزل أبيه , فكان ماكان من المنصور إلا أن أمر ملك ليون بتسليم ابنه , فسلمه ابنه عبد الله , وقام بضرب عنقه جزاء خيانته , ولم تأخذه به رأفة ولا رحمة وله بذلك القصص المشهورة والأحاديث المنثورة التي سارت بها الركبان وتسامر بها الرجال في مجالسهم , ومنها ما ذكره ابن حيان في كتابه : ( وأما عن عدله أنه وقف عليه رجل من العامة بمجلسه , فنادى : ياناصر الحق , إن لى مظلمة عند ذلك الوصيف الذي على رأسك , وأشار إلى الفتى صاحب الدرقة , وكان من المقربين إلى المنصور بن أبى عامر , ثم قال : وقد دعوته إلى الحاكم فلم يأتِ – لمكانته عند المنصور - , فقال له المنصور وقد اشتد غضبه : أوَ عبد الرحمن بن فطيس – القاضى - بهذا العجز والمهانة , وكنا نظنّه أمضى من ذلك ؟ ثم وجه كلامه للقاضى وقال له :يا عبد الرحمن , أعجزت أن تأخذ العدل , أوَ كنت مهانا فلم تصل إليه , ثم قال للمظلوم : اذكر مظلمتك ياهذا , فذكر الرجل معاملة كانت جارية بينهما فقطعها من غير نَصَفٍ , فقال المنصور : ما أعظم بليتنا بهذه الحاشية , ثن نظر إلى الصقلبىّ وقد ذُهل عقله – أى الفتى – فقال له : ادفع الدرقة إلى فلان , وانزل صاغرا – ذليلا – وساو خصمك في مقامه حتى يرفعك الحق او يضعك ..ففعل ومثل بين يديه , ثم قال لصاحب شرطته الخاص به : خذ بيد هذا الفاسق الظالم وقدمه مع خصمه إلى صاحب المظالم لينفذ عليه حكمه بأغلظ ما يوجبه الحق من سجن أو غيره ..ففعل ذلك , وعاد الرجل إليه شاكراً , فقال له المنصور : قد انتصف أنت , اذهب لسبيلك , وبقى انتصافي أنا ممن تهاون بمنزلتى .. فتناول الصقلبىّ بأنواع من المذلة , وأبعده عن الخدمة . ) انتهي كلام ابن حيان ومن ذلك أيضا ما رواه ابن حيان في كتابه : ( ومن ذلك قصة فتاه الكبير المعروف "بالبورقى" – اسم الفتى – مع التاجر المغربى , فإنهما تنازعا في خصومة توجهت فيها اليمين على الفتى المذكور , وهو يومئذ أكبر خدم المنصور , وإليه أمر داره وحرمه , فدافع الحاكم وظن أن جاهه يمنع من إحلافه فصرخ التاجر بالمنصور في طريقه إلى الجامع متظلما من الفتى , فوكل به في الوقت من حمله إلى الحاكم , فأنصفه منه , وسخط عليه المنصور وقبض نعمته منه ونفاه ) ومواقف المنصور بن أبى عامر في عدله كثيرة ولكن أكتفي بما ذكرته آنفا , حتى لا أطيل ... جهاده وغزواته :- ــــــــــــــــــــــــ لا أجد كلمات أوصف بها حب المنصور بن أبى عامر للجهاد والغزو في سبيل الله , يكفي أن تعلموا أن المنصور بن أبى عامر قاد جيوش المسلمين إلى النصر والفتح في زهاء 54 غزوة ومعركة , فلم يهزم في واحدة منها قط , وكان يأمر غلمانه بتنظيف ثوبه وأخذ ما علق به من غبار المعارك والغزوات وأمر أن تدفن معه في قبره لتكون شاهد له عند الله يوم القيامة بجهاده في سبيله ووصل بجيوشه إلى أماكن لم يفتحها المسلمون من قبل من أيام طارق بن زياد وموسى بن نصير , وبلغت الأندلس في عهده من العزة والمجد والتمكين إلى درجة لم يبلغها حاكم قبله ولا بعده وقال عنه الفتح بن خاقان في كتابه (مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس) :( إنه تمرّس ببلاد الشرك أعظم تمرّس , ومحا من طواغيتها كل تعجرف وتغطرس , وغادرهم صرعى البقاع , وتركهم أذل من وتدٍ بقاع , ووإلى على بلادهم الوقائع , وسدّد إلى أكبادهم سهام الفجائع , وأغصّ بالحِمام أرواحهم , ونغّص تلك الآلام بكورهم وروَاحهم ... ) فقد كان رحمه الله أعجوبة دهره وأوحد زمانه , له في كل عام غزوتان "الصوائف والشواتى" , كان يهتم جدا بالناحية العسكرية في دولته حتى لكم أن تعلموا أن عدد الفرسان في الجيش المرابط (الثابت) وصل إلى 112.000 اثنى عشر ألف ومائة فارس من سائر الطبقات , جميعهم مدونون في الديوان وتصرف لهم النفقات والأعطية والهبات , وبلغ عدد المشاة إلى 26.000 ستة وعشرين ألف راجل , وتتضاعف تلك الأعداد في الصوائف بسبب كثرة المتطوعين حتى أنها وصلت إلى مائة ألف 100.000 من المشاة حتى أنه من كثرة قوى الجيش النظامية أصدر مرسوما عام 388هـ بإعفاء الناس من إجبارهم على الغزو , اكتفاء بعدد الجيش المرابط , وقرأ الخطباء على الناس ذلك المرسوم وفيه : " بأن من تطوع خيراً فهو خير , ومن خف إليه فمبرور ومأجور , ومن تثاقل فمعذور " , فسُرّ لذلك الناس سرورا بالغاً .وكانت له سُنّة في غزواته وهي أن يحمل النصارى بأنفسهم الغنائم إلى قرطبة إمعانا في ذلهم وتدميرا لكيدهم . وكانت جميع الممالك النصرانية في الشمال تدفع للمسلمين الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ...دمّر المنصور بن أبى عامر جميع الممالك النصارانية المتواجدة في شمال الأندلس تدميرا بالغاً , كانت غزواته في الممالك النصرانية كالصاعقة والعاصفة المدمرة التي لا تبقى ولا تذر , فكم من قلوع وحصون للنصارى سواها بالتراب , وكم من ملوك وقواد للنصارى هلكوا على يد المنصور بن أبى عامر فكان رحمه الله هو الذي ثأر لهزيمة المسلمين أيام الخليفة عبد الرحمن الناصر – رحمه الله – في معركة الخندق أمام قلعة سمّورة المنيعة جدا , ففي اثناء حكم الحاجب المنصور ثارت القوط وتحركت وقامت بأعمال تخريبية في مدن المسلمين وقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا وكان يمتنعون من المسلمين دوما في قلعة سمّورة الحصينة والتي هي أمنع حصون النصارى في الشمال , فقام المنصور عام 371هـ بحملة عسكرية كالصاعقة على القوط في تلك القلعة واستطاع ان يدمرها ويقتحمها وفتك بحاميتها من النصارى , فهرب أهلها إلى قلعة قريبة تسمى "سانت مانس" فدخل عليهم المنصور ودمرها فأصبح الطريق إلى مدينة ليون العاصمة مفتوحا وسائغا , ولكنه لم يدخل ليون هذا العام لشدة البرد وقتها وتساقط الثلوج في تلك المناطق .وفي عام 373هـ قام المنصور بغزوة "ليون الكبرى" حيث قاد الحاجب المنصور الجيوش ووصل إلى مدينة ليون عاصمة اقليم جيليقية وحاصرها حصاراً شديدا , فجاء إليها المدد من كل مكان لأهميتها وقدسيتها للنصارى , فوصل مدد من إفرنسة "فرنسا" بشكل خاص ولكنه استطاع في النهاية ان ينزل الهزيمة على الفرنجة والنصارى ودخل عاصمتهم وخرب قلاعها وحصونها وساق منها 3 آلاف أسير وأمر أن يرفع الآذان في جنبات ليون لأول مرة بعد أن سقطت لأول مرة منذ الفتح الإسلامي الأول .... وفي عام 374هـ أعاد فتح برشلونه في أقصى شمال الأندلس وهزم الفرنسيين شر هزيمة وضمها مرة أخرى للمسلمين , بعد ان سقطت في أيدى الفرنجة من الفرنسيين بعد فتحها على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير أيام الفتح الأول. ولم تقتصر منطقة نفوذ الحاجب المنصور على الأندلس فقط , بل سيطر على شمال المغرب سيطرة تامة وخضعت لسلطانه , بعد أن ثار البربر من أهل العدوة على الحسن بن كنّون نائب الخليفة الفاطمىّ العبيدىّ على المغرب واستطاع هذا الرجل ان يجمع حوله الأنصار من البربر وثارت القلاقل والفتن في المغرب , فلم ينتظر الحاجب المنصور أن تكبر الفتنة , بل أرسل ابن عمه عمرو بن عبد الله على رأس جيش لمحاربة الحكم الفاطمى العبيدى الشيعى وإخراجهم من المغرب , ثم أرسل جيشا آخر بعد ذلك بقيادة ابنه عبد الملك الظفر بن المنصور بن أبى عامر ودخل فاس , واستقر أمر المغرب للمنصور , فبلغت الأندلس في عهده أقصى اتساع لها وفي عام 379هـ ثار عبد الله بن المنصور على أبيه الحاجب المنصور إذ كان يحكم مدينة "سانت استيفان" ولجأ إلى بلاد البشكنش - اقليم الباسك حالياً - فطلب المنصور من "غرسيه" حاكم البشكنش بتسليم ابنه فرفض "غرسيه" فقام المنصور بحملة عسكرية قوية على بلاد البشكنش ودام القتال أياما وكان قتالا مروعا حتى أنزل الله النصر على المسلمين وأيدهم بجنود من عنده وجعل كلمة الذين كفروا السفلى , وهُزم البشكنش مما اضطر غرسيه إلى قبول الصلح وتسليم عبد الله بن المنصور إلى أبيه ومعه كل من ساعده من المسلمين , فقام المنصور بضرب أعناقهم جميعا بما فيهم ابنه عبد الله غزوات المنصور - الأسهم السوداء ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من أهم وأعظم معارك المنصور على الإطلاق والتي هي بمثابة غرة المعارك الإسلامية في جزيرة الأندلس , هي معركة "شنت ياقب" – سانت يعقوب - حيث وصل إلى أقصى بلاد جيليقية إلى حيث لم يصل مسلم من قبل , ومدينة – سانت يعقوب - تمثل العاصمة الروحية الدينية لنصارى أوربا قاطبة , وكعبة النصرانية وتأتى أهيمتها بعد بيت المقدس ورومية – روما - عندهم , فبها قبر يعقوب الحوارىّ ويزعمون أنه كان من أخص حوارىّ عيسى – عليه الصلاة والسلام – وكان قبره بمثابة الكعبة عندهم – وللكعبة المثل الأعلى – ويفدون إليه من رومية وشرق أوربا ومن كل مكان . كنيسة شنت ياقب في أقصى شمال غرب أسبانيا وقد قاموا ببناء كنيسة ضخمة جدا على هذا القبر وكانوا يحجون إليه من كل مكان كما ذكرنا . وكانت تلك البلاد هي أمنع بلاد النصارى في الأندلس لوعورة طرقها وخطورة مفاوزها وصعوبة اجتيازها بالجند . ولم يفكر أحد من قادة المسلمين من أيام طارق بن زياد أن يقصد تلك المنطقة الجبلية الوعرة . فقصد المنصور بن أبى عامر تلك البلاد لسببين رئيسيين ذكرهما د. محمد عبد الله عنان في كتابه (دولة الإسلام في الأندلس ) وهما : 1- أنها كانت ملاذا وملجأ لملوك ليون , يمتنعون بها كلما أرهقتهم الغزوات الإسلامية بقيادة المنصور 2- أنها كانت كعبة اسبانيا النصرانية ومزارها المقدس ورمز زعامتها الروحية , وقد شاء المنصور أن يضرب أسبانيا النصرانية في صميم معقلها القاصى , وفي صميم زعامتها الروحية .. خرج المنصور بن أبى عامر على رأس جيش ضخم في يوم 23 الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة 387هـ ( 3 يوليه 997م ) وكانت هذه هي الغزوة الثامنة والأربعين للمنصور , وفي نفس الوقت تحرك الإسطول الإسلامي الذي أعده المنصور لهذه الغزوة العظيمة من مرساه أمام قصر أبى دانس على الساحل الغربى للأندلس في بلاد البرتقال – البرتغال الآن – وتحرك شمالا في محاذاة الشاطىء البرتغالي وهو يحمل أقوات الجنود والذخيرة وكل ما يحتاجونه من مؤن .. وكانت الخطة التي وضعها المنصور بن أبى عامر محكمة للغاية , فجعل يمشى بجنده على اليابسة شمالا باتجاه الغرب على أن يوافيه الإسطول الإسلامي عند نهر دويرة , وكانت مسيرة المنصور بن أبى عامر في غاية المشقة لكثرة السلاسل الجبلية وكثرة الأنهار ووعورة الطرق , حتى أنه في أثناء مسيره عرض له جبل ضخم شامخ شديد الوعورة لا مسلك فيه ولا طريق , ولم يهتدى الأدلاّء إلى سواه , فجعل المنصور يقدّم الفَعَلة – الحرفيين – ويمدهم بالحديد والفوؤس لتوسعة الشعاب وتسهيل وتعبيد المسالك والمفاوز ..إلى هذا الحد كان المنصور حريصا على غزو النصارى ولم يفت في عضده او يوهن كيده صعوبة الطريق ووعورته وبالفعل استطاع المنصور بن أبى عامر أن يفتح المسالك والشعاب واخترق الأراضى الوعرة وهو في أثناء ذلك يقتحم حصون النصارى ويأسر منهم أعداد كبيرة في طريقه , وما ان يسمع أهل قرية بقدوم المنصور حتى يهربوا منها وتفرّ حاميتها إلى قرى مجاورة , فغنم أمولاً عظيمة وأسلحة كثيرة ولله الحمد والمنة ...وعند وصول المنصور إلى نهر دويرة وافاه الإسطول الإسلامي , فجعل منه المنصور بن أبى عامر جسرا لعبور قواته إلى الجانب الآخر وهكذا , واتجه الجيش الإسلامي صوب جيليقة مخترقا الشعاب والسهول والوديان والجبال والأنهار وهو في مسيره لا يكف عن الجهاد والقتال فيحطم القلاع والحصون ويهدم المدن والقرى .... حتى وصل إلى مشارف مدينة (شنت ياقوب) – سانت يعقوب – يوم الأربعاء الموافق 2 الثانى من شعبان عام 387هـ ( 11 اغسطس 997م) , فدخلها المنصور بجنده وقد فرّ منها أهلها وحاميتها , فأمر المنصور بهدم القلاع والحصون وخرّب المدينة ودمّر الكنيسة العظيمة التي بنوها فوق قبر الحوارىّ المزعوم عندهم , فسواها بالتراب , ولكنه أمر بحماية القبر وصونه وعدم مساسه بأى اذى احتراما لتعاليم الاسلام ... وأخذ المسلمون أبواب المدينة والكنيسة ونواقيس الكنيسة العظمى وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة، واستخدمت في توسيع الجامع وعلقت به النواقيس رؤوسًا للثريات الكبرى وأصبحت الكنيسة العظمة للنصارى أثرا بعد عين ووجد المنصور رجلاً شيخا كبيرا من النصارى جالس بجوار القبر فسأله عن شأنه , فقال : أونس يعقوب , فأمر المنصور بالكفّ عنه .وترك المنصور بن أبى عامر المدينة كأن لم تغن بالأمس , واهتزت النصرانية من أقصاها إلى أقصاها , ونزل الخبر على نصارى العالم كالصاعقة فمنذ الفتح الأول للمسلمين للأندلس لم ينهزموا مثل هذه الهزيمة ولم يلحقهم مثل هذا الذل والصغار وأرسل المنصور كتاب الفتح والنصر إلى قرطبة , ففرح المسلمون بهذا النصر جدا ولهجت العامة بالدعاء لمنصور , وظل المنصور في جهاده مع النصارى في الأندلس طوال 27 عاما غزا فيها أكثر من 54 غزوة والحديث عن غزوات المنصور بن أبى عامر حديث جليل وعظيم جدا , لكن أكتفي بما ذكرته آنفاً. حبه للأدب والعلوم ـــــــــــــــــــــ كان المنصور بن أبى عامر يعشق الأدب والشعر بل وينظم شعراً , فمن شعره يفتخر :- ألم ترنى بعتُ الإقـامـةَ بالسُّرى .... ولين الحشايـا بالخــيول الضـوامرِ؟ تبدَّلْتُ بعد الزعفــرانِ وطِـيبِه ....... صدا الدّرع من مستحكمات المسـامرِ ومن شعره أيضاً , يفتخر : رميت بنفسى هول كل عظيمةٍ .... وخاطرتُ والحر الكريمُ يخاطرُ ومـا صاحبى إلا جنـان مشيعٌ ...... وأسمر خطى وأبيـض بـاترُ وله أيضا يتوعد صاحب الدولة الفاطمية العبيدية الخبيثة ويمنى نفسه في القضاء عليه وحكم مصر والحجاز : منع العين أن تذوق المناما ...... حُبها أن ترى الصفا والمقاما لى ديون بالشرق عند أناسٍ ..... قد أحلوا بالمشعرين الحراما وكانت دولة المنصور وحكومته تضم عددا من الوزراء والكتاب والشعراء الأفذاذ أمثال : أبو العلاء صاعد اللغوى وكذلك أبو مروان عبد الملك بن شهيد وأحمد بن سعيد ابن حزم والد الفيلسوف والعالم الشهير ابن حزم وآخرون ممن هم مشهود لهم بالفضل والعلم وواسع المعرفة .وكان يوسع النفقة على الأدباء والشعراء وكان المنصور له مجلس أسبوعى يعقده للبحث والمناظرة ويشهده كثير من العلماء والأدباء , كما اهتم جدا بإنشاء دور العلم في الأندلس وفي قرطبة وبالغ في الإنفاق عليها وكان يزور المساجد والمدارس بنفسه وكان يجالس الطلاب أحيانا وإهتمام المنصور بن أبى عامر بالأدب شيىء معروف ومشهور وأكتفي بما ذكرته آنفا .. مناقب المنصور بن أبى عامر ــــــــــــــــــــــــــــــــ اهتم المنصور بن أبى عامر بالأوجه الحضارية كذلك فابتنى مدينة "الزاهرة" على غرار "الزهراء" ونقل إليها كل دوواين الحكم وجعلها عاصمة لملكه وفرغ من بناءها عام 370هـ وكانت آية في البناء الجمال وجلب إليها المنصور بن أبى عامر غلمانه وحاشيته ووزراءه , ففرغت "الزهراء" منهم وملئت الزاهرة وكثر فيها الأسواق والقصور وامتازت بحسن حدائقها وجمال عمرانها واعتدال هواءها وفيها يقول صاعد اللغوىّ : يا أيهـا الملكُ المنصـورُ من يمنٍ ...... والمُبتنى نسبـاً غـير الذي انتسبا بغزوة في قلـوب الشـرك رائعة ...... بين المنـايا تُناغى السُّمر والقُضُبَا وأصحبت الزاهرة هي حاضرة الأندلس ونافست قرطبة في جمالها وروعة بنيانها واتسعت وزادت مساحتها حتى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة , وبنى المنصور بمنطقة فيها مجموعة من قصوره وسماها (مُنية العامرية) وكانت بها أروع قصور المنصور وأحظى بيوته , دخل عليه يوما ابن أبى الحُباب في بعض قصوره بمنية العامرية والورد قد تفتحت أوراقه وزاد جمال القصر وبهجته والشمس ساطعة تعكس أنوارها المياه الجارية بالقصر فكان المنظر بحق بديع , فقال في ذلك: لا يـوم كاليـوم في أيامــك الأُولِ ..... بـالعامــرية ذات المـاء والظُـللِ هـواؤها في جميع الدهر معتدلٌ ..... طيـبا وإن حــل فصلٌ غيـرُ معـتدلِ ما إن يُبإلى الذي يحتل ساحتها .... بالسعد أن لا تحلّ الشمسُ بالحملِ كما أن المنصور بن أبى عامر جدد بناء قنطرة قرطبة التي تعد من عجائب الدنيا في ذلك الزمن وأعاد بنائها سنة 378هـ واستغرق بناؤها سنة ونصف وأنفق لذلك مائة وأربعين ألف دينار وبنى كذلك قنطرة آستجة على نهر شنيل وكلفت كثير من الجهد والوقت لكنها سهلت الكثير على المسلمين , ولهجت العامة بالدعاء للمنصور بن أبى عامر – رحمه الله قنطرة قرطبة في أسبانيا التي جددها المنصور بن أبى عامر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من أعظم مناقبه كذلك وهي الزيادة والتوسعة التي وسعها في جامع قرطبة العظيم الذي لم يبنى مثله في الإسلام !! , فأضاف إليه مثل مساحته تقريبا , وكان يرسل أسرى النصارى للعمل في البناء , وكان المنصور يشترك بنفسه أحيانا في أعمال البناء , وكانت تلك هي أضخم وآخر التوسعات التي تمت لجامع قرطبة , فشرع في البناء عام 387هـ واشترى المنصور البيوت والأملاك الواقعة ضمن منطقة التوسعة وحرص على إنصاف أصحابها , وتضاعف حجم الجامع جدا , وبلغ عدد سوارى المسجد ما بين كبيرة وصغيرة إلى ألف وأربعمائة وسبعة عشرة 1417 سارية – عمود - , وبلغت كذلك عدد الثريات مابين كبيرة وصغيرة إلى مائتان وثمانون 280 , وعدد الكؤوس سبعة آلاف وأربعمائة وخمس وعشرون كأسا 7425 , وكان يخدم الجامع من أئمة ومقرئين وأمناء ومؤذنين وسَدَنة ومُوقدين – يوقدوا الشموع والمصابيح للإنارة – وغيرهم أكثر من مائة وتسعة وخمسون 159 شخصاً , وفي رمضان يُوقد العود والطيب في جميع أنحاء الجامع ...... ومن أهم مناقب المنصور هو عمله على إذلال الممالك النصرانية في الشمال والعمل على تأديبهم المستمر حتى لا يفكروا إلا في طلب ود وجوار المسلمين , ومن أجل ذلك أرسل ملك قشتالة "شانجة" ابنته جارية عند المنصور في قرطبة لينال رضاه وعندما جاء إلى قرطبة بعد هزيمته مع المسلمين , وأثناء مروره بين صفوف العسكر والجند وأهل الخدمة انخلع قلبه من الرهبة والهيبة حتى ارتعدت فرائصه , ودخل مجلس المنصور فما إن وقعت عينه على المنصور بن أبى عامر حتى هوى على الأرض من فرط هيبيته وقبّل قدم المنصور ويده اللهم أعد لنا عزتنا واكتب لنا النصر والتمكين ... وللمنصور مناقب أخرى كثيرة ولو أخذت بحصرها ما انتهيت منها وأكتفي بما ذكرته قطوف من أخبار المنصور ومآثره ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الراية المنسية ـــــــــــــــــــ كان كلما غزا المنصور غزوة أخذو جنوده الرايات فيثبتونها على الأماكن العالية ثم يأخذونها حين يرحلون , وفي أحد الغزوات نسى أحد الجنود راية على أعلى التبة بين الحصون والقلاع بعدما فر أهلها وهرب جنود النصارى بين الشعاب والجبال , ورحل المسلمين ونسوا تلك الراية , فظل النصارى يرمقون تلك الراية في رعب شديد وهم يظنون أن المسلمين مازالوا هناك ,وظلوا على ذلك زمن حتى علموا برجوع المسلمين منذ زمن هكذا كانت العزة ..... راية واحدة منسية أرعبت جنود النصارى وعاشوا من أجلها في ذعر ورعب وهلع هذا طليق الله على رغم أنف ابن ابى عامر : ــــــــــــــــــــ عُرض على المنصور بن أبى عامر يوما اسم أحد خدّامه ممن قد طال سجنه , وكان شديد الحقد عليه . فوقّع على اسمه أنه لا سبيل إلى إطلاقه ابداً ويظل في السجن إلى أن يتوفاه الله , وعرف هذا الخادم ما وقّع عليه المنصور بن أبى عامر , فاغتم لذلك غما شديدا وأخذ يتوسل إلى الله ويتضرع إليه , فجاء المنصور بن أبى عامر الأرق ولم يستطع النوم من أجل ذلك , وكان كلما حاول النوم آتاه رجل كريه الوجه عنيف الكلام يأمره أن بإطلاق الرجل ويتوعده , وظل المنصور على ذلك زمن لا يستطيع أن ينام بسبب ما يأته في منامه , حتى علم المنصور أن هذا نذير من ربه فأخذ رقعة ودعا بالدواة في مرقده وعلى فراشه فكتب : هذا طليق الله على رغم أنف ابن أبى عامر ..وظل الناس يتحدثون بهذا زمانا .... الأسيرة ـــــــــــ أرسل المنصور يوما رسولا إلى بلاد البشكنش "اقليم الباسك حاليا" في وقت السلم والمعاهدة , وكان من شروط المعاهدة أن لا يبقى أسير مسلم في بلاد النصارى , عندما وفد هذا الرسول إلى تلك البلاد استقبله ملكها أحسن استقبال وأكرمه وأحسن ضيافته , وسمح له أن يتجول في بلده كما يحب , فدخل أحد أكبر كنائسهم وإذا هو بالداخل إذ وجد امرأة قد أقبلت عليه وقالت له : أيرضى المنصور أن ينسى بتنعمه بؤسها , وأخبرته أنها أسيرة في تلك الكنيسه ومعها امرأتين من المسلمين كذلك ومضى لهن سنين طويلة في تلك الكنيسة , واستحلفته أن يخبر المنصور بشأنها .. وعاد الرسول إلى المنصور في قرطبة يخبره بنتائج الزيارة وحكى له عن تجواله في أراضى المملكة , فقال له المنصور : هل وقفت هناك على أمر أنكرته , أم لم تقف على غير ما ذكرته ؟ , فأخبره بقصة المرأة , فغضب المنصور وعاتبه ولامه وارتفع صوته على أنه لم يبدأ بها كلامه فأصبح المنصور غازيا من فوره وجهز الجيوش ولم تطلع الشمس إلا والمنصور والمسلمين على ظهور خيولهم متوجهين إلى بلاد البشكنش , لأن وجود تلك المرأة المسلمة الأسيرة مخالفة صريحة جدا لما اتفقوا عليه . وأقسم المنصور أنه لا يرجع عن أرضه حتى يكتسحها – اى الكنيسة – وجن جنون الملك عندما علم بقدوم المنصور بن أبى عامر وأرسل له يخبره أنه لم ينقض عهدا ولم يشق عصا الطاعة أنه على طاعة المنصور والمسلمين ابدا , فاستقبل المنصور رسل "ابن شانجة" – ملك البشكنش – أسأ استقبال وعنفهم وأخبرهم : أنه عاقدنى على ألا يبقى ببلاده مأسورة أو مأسور , وقد بلغنى بعدُ بقاء فلانة المسلمة في تلك الكنيسة وواله لا أنتهي عن أرضه حتى أكتسحها ..فأرسل الملك يخبره أنه كان لا يدرى بوجود تلك الأسيرة وأن أحد قواده هو من قام بأسرها , ثم أرسل له الملك يسترضيه ويستعطفه حتى أنه أخبره : أنه قد بالغ في هدم الكنيسة – اى سواها بالتراب – وهنا توقف المنصور وأخذ المرأة وجلس معها وطيب خاطرها وأرسلها إلى أهلها في قرطبة ومعها الأسيرتيْن .وكأنى بهؤلاء النسوة الثلاث كدن أن يهلكن من شدة الفخر والسعادة والإباء , عندما شعروا بأن جيش المسلمين كله قد خرج من أجلهن وفي سبيل نصرتهن .....أين أنت ايها الحاجب المنصور الآن ...


١٥٢ مشاهدة٠ تعليق
bottom of page