خالد بن الوليد - د . صالح العطوان الحيالي
----------------------------------- الخبرة في الحرب والمهارة في القيادة والايمان بالعقيدة عند خالد بن الوليد (رض) خلال مسيره من العراق الى الشام تنفيذا لتوجيهات الصديق (رض) ، التي امر بها خالد بن الوليد (رض) بترك العراق والذهاب الى الشام لتولي مسؤلياته الجديدة ، حشد خالد (رض) جنده وانطلق ليعبر الى الشام صحارى رهيبة ، غائبة النواحي مترامية الافاق ، كأنما هي ألتيه ، وسأل ألأدلاء : "كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم ؟ فإني إن أستقبلتها حبستني عن غياث المسلمين ! " قالوا له : " لا نعرف إلا طريقا لا يحمل الجيوس ، فو الله إن الراكب المفرد ليخافه على نفسه ! إنك لن تطيق الطريق بالخيل والاثقال ، إنها لخمس ليال لا يصاب فيها ماء " ، قال خالد : " إنه لابد من ذلك لأخرج من وراء جموع الروم " ، وعزم خالد على سلوك هذا الطريق ، مهما تكن مخاطره ، " فكم فاز باللذة من كان جسورا " فنصحه رافع بن عمير أن يستكثر من الماء ، فلا ماء حتى يجتاز ذلك الطريق ، فأمر خالد جنوده أن يخزنوا الماء في "بطون ألإبل " العطاش ، ثم يشدوا مشافرها لكيلا تجتر ، فيستنزف الماء ، وقال لرجاله : " إن المسلم لا ينبغي أن يكترث بشيء يقع فيه مع معونة الله له " . وسار به الدليل رافع بن عمير في طريق تمتاز بوعورتها وفلة مائها وضياع معالمها وقلة سكانها ولا سيما الجزء الممتد بين قراقر وسوى إلا أنها أقصر الطرق ، فا وضح خالد لجنده الاعتبارات التي تجعله يفضل سلوك هذا الطريق على غيره وهي " السرعة والسرية والمباغتة " ، وكان رافع قد طلب من خالد ان يهيء عشرين ناقة كبيرة ، فأعطاه ما اراد فمنع عنها الماء اياما حتى عطشت ثم أوردها إياه فملأت جوفها فقطع مشافرها وكممها فلا تجتر ، ثم قال لخالد : سر ألآن بالخيول والاثقال وكلما نزلت منزلا نحرت من تلك الابل وشرب الناس مما تزودوه فسار الجيش من قراقر وهي اخر حدود العراق على حدود الصحراء الى سوى وهي اوائل قرى الشام ، والمسافة بينهما خمس ليال يستريحون بالنهار ويسيرون بالليل ، واعتمد خالد على رافع بن عمير دليلا بعد ان وثق به ، ومن صحة دلالته ، واختار محرز المحاربي لحذقه في الدلالة على النجوم ، لذلك كان مسيرهم ليلا وصباحا مع تحاشي السير عند ارتفاع النهار والظهيرة لقطع مرحلتين في اليوم الواحد ، ولم يترك خالد احد من جنده يسير راجلا وإنما اركب الجند الابل للمحافظة على قابلياتهم البدنية ، وسار خالد وكلما نزل منزلا نحر عددا من النوق فأخذ ما فيي اكراشها فسقاه الخيل ثم شرب الناس مما حملوا من الماء ، فلما كان اليوم الخامس نفذ الماء فخاف خالد على اصحابه من العطش ، وقال لرافع وهو أرمد : ما عندك ؟ فطلب رافع من الناس ان يبحثوا عن شجرة عوسج صغيرة في تلك المنطقة فلم يجدوا إلا جزءا صغيرا من ساقها ، فأمر رافع ان يحفروا هناك فحفروا فظهرت عين للماء فشربوا حتى روي الناس فاتصلت بعد ذلك لخالد المنازل ، وقد قال بعض العرب لخالد في هذا المسير : " إن أنت أصبحت عند الشجرة الفلانية نجوت انت ومن معك ، وإن لم تدركها هلكت انت ومن معك " ، فسار خالد بمن معه وسروا سروة عظيمة فأصبحوا عندها فقال خالد : عند الصباح يحمد القوم السرى ، فأرسلها مثلا وهو اول من قالها (رض) . وقد قال رجل من المسلمين في مسيرهم هذا مع خالد : لله عينا رافع ان أهتدى ....... فوز من قراقر إلى نوى خمسا إذا ما سارها الجيش بكى ....... ما سارها قبلك إنسي أرى وهذه القصة تدل على ان القائد المحنك لا يبالي بالاخطار وانه اعمل الحيلة في سبيل الحصول على الماء لقطع الصحراء حتى وصل الى غرضه ، وفي اليوم الامس وصل جيش خالد الى سوى وهو اول تخوم الشام تاركا وراءه حاميات الروم على الطرق الرئيسية العامة تواجه العراق ، وكانت حركته في قطع الصحراء بخمسة ايام اعجوبة من أعاجيب المخاطرة المحسوبة ذللتها إرادة القائد وإيمانه وإقدامه ...