top of page
صورة الكاتبAdmin

قصر الزيتونة - د.صالح العطوان الحيالي


قصر الزيتونة - د.صالح العطوان الحيالي

--------------------------------------

قصر الزيتونة او قصر الحير الغربي أعجوبة الفن المـــــــعماري في بـــــادية الشام يُعتبر قصر الحير الغربي من أهم القصور الصحراوية لأنه يعطي انطباعاً عن الفن والعمارة الرفيعة اللذين انتشرا أثناء العصر الأموي. ويتكوّن من عناصر عديدة منها ما هو زراعي ومنها ما هو معماري، ففيه سد وقناة وبستان وبركة وطاحونة وكذلك خان وحمام، بالإضافة إلى مباني القصر. اعتز الخلفاء الأمويون، وخاصة هشام بن عبد الملك، باستطاعتهم تحويل الصحارى إلى جنّات وحدائق محمية كانوا يقومون فيها برحلات الصيد وغيرها من ضروب الترفيه الملكية. وُجِد في القصر لوحات رسم أرضية ومنقوشات جص جدارية في غاية الجمال وذات تقنية عالية تدل على استمرار تقاليد الفن المحلّي وتواصلها مع فنون بلاد الفرس والروم في الحقبة الإسلامية المبكرة. يعد قصر الحير الغربي من أبرز القصورالتي عرفتها بادية الشام , فهو إلى جانب قصور أخرى يعتبر شاهداً على عظمة تلك الفترات التي غدت فيها البادية مقراً أساسياً للخلفاء الأمويين الذين أدركوا أهميتها فقد جعلوها عامرة بقصورهم وحدائقهم الكثيرة، وهذه المباني التي ظهرت خلال العصر الأموي شكلت القاعدة والأساس لفنون العمارة الإسلامية فيما بعد . أما القصر المعني فمظهره الخارجي أقرب إلى الحصن، لكن ذلك مجرد منظر زخرفي. وهو مربع الشكل، طول ضلعه 70م، بني من حجارة كلسية فرط حتى ارتفاع مترين، ثم أتمّ باللبن. تحتوي ثلاث من زواياه الخارجية على أبراج دائرية. أما الزاوية الشمالية الغربية، فقد تمت المحافظة فيها على برج بيزنطي مربع يعود إلى القرن 6م. يوجد في الضلع الشرقي برجان نصف دائريين يحيطان بالبوابة، وفيهما زخرفة مديدة من الجص المحفور بأساليب هندسية ونباتية. وهناك شرفتان كبيرتان أعلى البرجين، ونوافذ ضيقة تشبه المرامي. تم نقل هذه الواجهة العظيمة إلى مدخل متحف دمشق الوطني في الأربعينيات من القرن العشرين. فبالإضافة إلى فن العمارة فقد قدم قصر الحير الغربي نماذج رائعة من الفنون الأخرى التي عثر عليها داخل قاعات القصر كالرسوم الجدارية والزخارف الجصية وأرضيات الحجرات وغيرها من النقوش الفنية التي تناولت مواضيع مختلفة نباتية وهندسية وحيوانية وإنسانية والتي تشهد على جمالية هذا الفن حيث جمع في أسلوبه الفنون السابقة وأضاف عليها فخرج بفن جديد اعتبر أفضل نموذج للفن الأموي.‏ التسمية‏ ــــ : كان يطلق على قصر الحير الغربي اسم (الزيتونة)، وهو الاسم الأصلي له، أمّا (الحير)، فهي تسمية حديثة استعيرت من معنى السور الذي كان يحدّه.‏ الموقع‏ ـــ :يقع قصر الحير الغربي على أطراف الطريق الواصل بين دمشق وتدمر، على بعد 42 كم إلى الشمال الشرقي من موقع القريتين، عند تصالب الطرق التجارية بين الرقة ودمشق وحمص وشبه الجزيرة العربية بالقرب من جبل رواق على بعد 60 كيلومتراً جنوب غربي تدمر في وسط بادية الشام.‏ قصة الاكتشاف‏ ـــــ : هناك الكثير ممن خاض مغامرة الصحراء وتجول فيها، وفيهم من كتب مذكراته ووصف المناطق التي مر بها, ومن خلال ما ذكروه عن تدمر والمناطق المحيطة بها، فهناك العديد من الرحالة والباحثين والهواة الذين زاروا تدمر ومحيطها أمثال الإنكليزيين ج.داوكينز , و ر.وود عام 1751م، والرسام الفرنسي كاساس الذي ارتدى اللباس العربي ووصل إلى تدمر في 22 أو 23 أيار عام 1785م، وفي عام 1813م زارت تدمر, الليدي ستانهوب ابنة أخ الوزير الإنكليزي وليم بيت وقابلت شيوخ القبائل وأقامت في تدمر، كذلك م.دوفوغي في العام 1861م ونشر عن ذلك في أحد أجزاء كتابه المُسمى (سورية الوسطى ).‏ * مع بداية القرن العشرين بدأت الأعمال الأثرية تأخذ طابعاً علمياً منظماً بدأها الألمان بإدارة ت. فيغاند بعمل أسبار أثرية ودراسة معمارية (لمعبد بل ووادي القبور) نُشرت فيما بعد في مؤلف من قبل فيغاند عام 1932م, تلاها العديد من البعثات خصوصاً زمن الإنتداب الفرنسي في عشرينيات القرن العشرين، وكان أول من أشار إلى موقع قصر الحير الغربي هو بواديبارد ,الذي قام بأخذ العديد من الصور الجوية للبقايا الأثرية ومن بين الصور الجوية الملتقطة منطقة قصر الحير الغربي، وكان من أهم ما تم تمييزه من تلك الصور بقايا القصر المتمثلة بسور مستطيل ، وأحد الأبراج المؤرخة على العصر البيزنطي، وقناة ماء ممتدة بين القصر وسد خربقة.‏ أما بخصوص الأعمال الأثرية الأولى في الموقع فكانت من قبل شلومبرجيه عام 1936 واستمرت حتى عام 1938م، لتتوقف الأعمال بعدها حتى خمسينيات القرن العشرين، حيث قامت المديرية العامة للآثار بنقل واجهة القصر إلى دمشق وتمت إعادة تركيبه فوق واجهة المتحف الوطني بدمشق وما زال كذلك حتى اليوم.‏ تاريخ بناء القصر‏ ـــــ : يعتقد أن القصر بني على أنقاض دير يعود إلى العهد الغساني , وحسب العالم «شلومبرجيه» فإنّ هذا القصر قد شُيّد فوق دير غساني .‏ يعود تاريخ القصر ومنشآته إلى العصر الأموي، فهو أحد القصور العامرة التي بناها الخلفاء والأمراء الأمويون في بادية الشام والأردن، وقد تم تأريخ قصر الحير الغربي إلى جانب قصر الحير الشرقي على فترة هشام بن عبد الملك عام 728م , وقد جعله مركزاً زراعياً للمنطقة ، ودلّ على تاريخ بنائه كتابتان:‏ * الأولى نقشت على ساكف أحد أبواب الخان المجاور للقصر، وهو حالياً محفوظ في المتحف الوطني بدمشق، وعليه الكتابة التالية: «بسم الله الرحمن الرحيم، لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، أمر بصنعة هذا العمل عبد الله هشام أمير المؤمنين أوجب أجره، على يد ثابت بن ثابت في رجب 109 هـ» .‏ * والكتابة الثانية نقشت على جزء من حجر رخامي حفظت في جناح قصر الحير بمتحف دمشق، تنص على مايلي: «من هشام أمير المؤمنين إلى الوليد أبي العباس أحمد الله إليك».‏ إلا أن موقع القصر كان مشغولاً سابقاً خلال العصر البيزنطي، ومن بقايا تلك الفترة البرج الذي ينتصب أمام القصر، إلى جانب ذلك تم العثور على العديد من البقايا الأثرية المنقولة من مكانها والتي تعود لفترة أقدم ، في حين أن ما هو مؤكد بخصوص الأبنية التي تعود لفترات أقدم هو بناء سد خربقة، حيث أثبتت الدراسات الأثرية التي قام بها شلومبرجيه أن أساسات السد معاصرة لفترة تدمر خلال العصر الروماني.‏ مخطط القصر‏ ــــ : صمم مخطط القصر على شكل مربع تقريباً , ويبلغ طول ضلعه 70 متراً، ويتميز بجداره الخارجي ذي التشكيل شبه العسكري , ويوجد في الزوايا أبراج دائرية الشكل، ما عدا الزاوية الشمالية الغربية ، حيث البرج البيزنطي الذي أعيد استعماله، تم تدعيم أواسط الجدران الثلاثة بأبراج نصف دائرية ،عدا الجدار الشرقي، حيث تنفتح منه بوابة تفضي إلى باحة القصر, و يحيط بها من الطرفين برجان نصف دائريين مزخرفين.‏ * تـم تشييد السور الخارجي للقصر من المداميك الحجرية التي شكلت قاعدة الحمل الرئيسية في البناء حتى ارتفاع مترين، ويليها مجموعة من الصفوف المتناوبة المركبة من مداميك الطوب والآجر والشرائح الخشبية ما يجعل المظهر العام للقصر أشبه بالحصن.‏ * بني القسم الأساسي في القصر من الحجر إلى ارتفاع مترين، أما القسم الأعلى فمبني من الطوب والخشب والآجر.‏ * يتم الاتصال بين الباب الخارجي والباحة الداخلية، بواسطة دهليز مقبي يؤدي إلى الأروقة المغطاة المحمولة على عمد حجرية قديمة، تتقدم الغرف والصالات المحيطة بالفسحة المركزية التي تتوسطها بركة الماء، حيث تتوزع الغرف حول الساحة على طابقين معماريين , فقد أظهرت البقايا الأثرية أن القصر كان مؤلفاً من طابقين: أرضي، يعلوه طابق آخر تعرض للتخريب بالكامل، في حين أن الطابق الأرضي يمكن أن يقسم إلى ستة منازل، اثنان في الجهة الشرقية، ومثلها في الجهة الغربية المقابلة، وبيت واحد في الشمال، يقابله واحد في الجنوب، ويتراوح عدد الغرف والصالات في كل بيت بين 8 - 13 قاعة أو حجرة، ذات مشبكات جصية رائعة تسمح بدخول الضوء والهواء إلى الغرف , وكل منزل مؤلف من عدد من القاعات والمقاصير، أي يبلغ عدد القاعات والمقاصير ومجموع ما هو موجود ضمن هذا الطابق 59 قسماً.‏ * تم اكتشاف درجين خشبيين يفضيان إلى الطوابق العلوية، ويعتقد أن الطابق الثاني متطابق في توزيع غرفه وقاعاته مع الطابق الأول، باستثناء الفراغ فوق دهليز المدخل الذي كانت تشغله صالة مستطيلة الشكل.‏ منشآت ملحقة بالقصر‏ ــــ : منها الحديقة والتي كان يبلغ طولها 1050 متراً، وعرضها 442 متراً، ويحيط بها سور أساساته من الحجر ومداميك من اللبن تعرضت للتخريب بالكامل, وقد عمد الأمويون لتأمين المياه لهذه الحديقة بشق قناة تمتد من سد خربقة حتى القصر والحديقة (ربما تعود هذه القناة لفترة الدير البيزنطي)، وعمدوا فيما بعد إلى إنشاء سد أو خزان تصب فيه مياه القناة ومن ثم يتم توزيع المياه بعدها إلى منشآت القصر (الحمام والحدائق) عبر قنوات أصغر يتم التحكم بها من قبل شخص عُين لهذا الغرض , كما تم العثور على العديد من السدود الصغيرة في المنطقة التي كانت تتوضع ضمن مجاري الوديان وبالتالي كان يتم الاستفادة من مياه الأمطار أيضاً من خلال تجميعها ومن ثم تحويلها إلى الخزان الرئيسي أو ما يعرف باللغة العامية بالبركة.‏ * أما الحمام فيوجد في الجهة الشمالية من القصر على بعد 30 متراً من البرج البيزنطي وله مخطط مستطيل الشكل تقريباً، وهو يتألف من عشر حجرات مع قمرات التسخين والتي تقسم بدورها إلى قسمين أحدهما دافئ والآخر بارد، وجدرانه مبنية من الحجر الكلسي واللبن، ولا تزال بعض الجدران محفوظة حتى ارتفاع مترين تقريباً.‏ وقد تم العثور أثناء أعمال التنقيب على بقايا قطع رخام وطينة كانت تغطي بعض الجدران، إلا أنه لم يتم العثور على رسومات كانت تزين جدران الحمام الداخلية كما هو الحال في حمام قصر عمرة في الأردن, ويمكن القول إن الحمامات الأموية تظهر تغيراً في مخطط الحمام الذي كان سائداً خلال العصور السابقة، وتشكل الانطلاقة لتطور عمارة الحمامات في العصور الإسلامية اللاحقة.‏ أعمــال التنقيــب‏ ــــ : جرت أعمال التنقيب في الثلاثينات من القرن العشرين على يد الآثاري الفرنسي شلومبرجيه،‏ وقد كشفت أنّ القصر كان مزيناً بالفسيفساء الذي بقي منها بعض الألواح الصغيرة مع بعض النصوص التي عثر عليها مع الألواح قرب المدخل, وعن رسومات جدارية وأرضية رائعة، تناولت موضوعات دينية وموضوعات من الحياة اليومية والرسمية والخاصة للخليفة بشكل غني ورائع، بالإضافة إلى مواضيع أخرى متعددة غطتها النقوش المنتشرة في أرجاء غرف القصر وأروقته ودرابزيناته، فكان منها عناصر معمارية تؤلف سلسلة من المحاريب والقناطر والأعمدة والأقواس، ورسوم هندسية، ومواضيع نباتية عناصرها من أوراق العنب وسعف النخيل والورود والأزهار، ومشاهد تمثل حيوانات وأشخاصاً في أوضاع مختلفة , وقد نُقلت الرسوم الجدارية, بالإضافة إلى بعض التيجان ومشابك الأبواب والنوافذ، وأعيد إنشاؤها في جناح خاص، حيث يعتبر هذا القصر ومكوناته أحسن نموذج للعمارة الأموية.‏ كما تمت إعادة بناء أجنحة بوابة القصر في المتحف الوطني بدمشق بواسطة ورشات المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية, وأعيد بناء واجهة قصر الحير الخارجية مع البرجين اللذين يحيطان بالباب الرئيسي في حديقة المتحف الوطني بدمشق , وأصبحت المجموعة المعمارية الباقية من قصر الحير، والتزيينات التي انتهت إلينا من الزخارف الجصية التي جمعت من آثار القصر مصدراً رئيسياً لمعرفة منشأ الفن العربي الإسلامي.


٤١ مشاهدة٠ تعليق
bottom of page