سامراء - د. صالح العطوان الحيالي
-----------------------------
سر من راى العاصمة الثالثة للخلافة العباسية هي من أمهات المدن العراقية القديمة، و مازالت تزخر بالآثار الإسلامية وتذكر بتاريخها حينما كانت مركز للحضارة والعلوم والفنون. وتقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة وتبعد نحو 118 كم إلى الشمال من العاصمة بغداد. يحدها من الشمال تكريت، ومن الجنوب بغداد، ومن الغرب الرمادي، ومن الشمال الغربي الموصل، ومن الجنوب الشرقي ديالى. وكان هذا المكان الذي شيدت عليه المدينة مستوطنا منذ أقدم العصور. وفي التاريخ الآرامي السابق للإسلام، وتحديدا في الحقبة الساسانية فقد اتخذ من موقع سامراء الحصين مركزا استراتيجيا وعسكريا أثناء احتدام الصراع ضد الروم، وقد أقاموا فيها الحصن المعروف باسم حصن سومير الذي يمت الصلة لأسمها الأول، وورد ذكره في أخبار تراجع الجيوش الرومية، بعد مقتل قائدهم جوليان سنة 363 م. الخليفة العباسيّ المعتصم بالله ثامن الخلفاء العباسيّين، ويُكنَّى بأبي إسحاق، وهو محمّد المعتصم بالله بن هارون الرّشيد، وُلِد في عام 179 هجرية الموافق لسنة سبعمئة وستّ وتسعين ميلادية في بغداد، توّلى الحكمَ على الشّام ومصر خلال فترة خلافة المأمون، ويُذكَر بأنّ المعتصم بالله قد بويع في اليوم ذاته الذي توفّي فيه أخوه المأمون في طرطوس. حَمَل أبو إسحاق لقب المعتصم بالله في العاشر من شهر أغسطس من عام 833 م، ويُذكَر بأنّه تميّز بالقوة والشجاعة الكبيرتين، وانفرد عن غيره من الخلفاء بأنّه كان يستعين بالجنود الأتراك للفصل بين المنافسات الشّديدة بين العرب والفرس. خلافة المعتصم بالله تميّزت فترة خلافة المعتصم بالله بالاهتمام الكبير بامتلاك الجنود الأتراك واستقطابهم من مُختلف مناطق آسيا الصُّغرى؛ وخاصّةً سمرقند وخوارزم، حتّى بلغ عددهم في بغداد أكثر من عشرة آلاف جنديّ تركيّ، ويُشار إلى أنه قد تطلّع إلى بناء مدينة سامراء إثر الازدياد الكبير في عدد الجنود، وشيَّدها عام 221 للهجرة لتُصبح عاصمةً لدولته. يشير التاريخ العباسيّ إلى أنّ المعتصم بالله تمكّن من إكمال ما بدأه الخليفة المأمون في إخماد الثورات الداخليّة والفتن التي صَعُبَت عليه؛ حيث تكلّلت جهوده بالنجاح في القضاء على ثورة الهنود الزُط التي كانت تُهدّد كافة أنحاء البلاد وخاصّةً في جنوب العراق، ومن ثمّ أمرهم بالجلاء إلى الأناضول، بالإضافة إلى القضاء على ثورة بابك الخرمي، وثورة محمّد بن القاسم وغيرهم. يَحمِل المعتصم بالله لقب الخليفة المثمن؛ نظراً للدور المهمّ الذي لعبه الرّقم ثمانية في حياته، وتمثّل ذلك بوصفه الخليفة العباسي الثّامن، وتوليه الحكم لمدة ثماني سنوات وثمانية أشهر، بالإضافة إلى قيامه بثمانية فتوحات عسكرية؛ وولد في عام 108 للهجرة، وتوفّي عن عمر يناهز 48 عاماً تاركاً وراءه ثمانية أولاد وثماني بنات، وكان ذلك في الثامن من شهر ربيع الأول من عام 277 للهجرة. عُرِفت مدينة سامراء قديماً باسم مدينة سُرّ من رأى، وتُلقَّب بمدينة العسكريّين والمدينة المقدّسة، ويعود تاريخ تأسيسها إلى أكثر من 1157 سنة تقريباً، أي إلى عام 859 م على يد ثامن الخلفاء العباسييّن المعتصم بالله تقع مدينة سامراء الأثرية على ضفاف نهر دجلة وعلى مسافة 125 كيلومترا شمال بغداد، وكانت مقر عاصمة الدولة العباسية الإسلامية في عهد الخليفة المعتصم بالله، والتي بسطت نفوذها على الأرض الممتدة من تونس إلى وسط آسيا. وتمتد المدينة بطول 41 كيلومترا ونصف الكيلومتر من الشمال إلى الجنوب، أما عرضها فيتراوح بين 4 و8 كيلومترات. وتحتوي على معالم أثرية هندسية وفنية طوّرت محلياً قبل أن تنقل إلى أقاليم العالم الإسلامي وأبعد من ذلك. ومن بين الآثار العديدة والبارزة الموجودة في الموقع المسجد الجامع ومئذنته الملوية، وقد شيد في القرن التاسع الميلادي. ويبقى قرابة 80٪ من المدينة الأثرية مطمورا ويحتاج إلى تنقيب. التاريخ القديم ـــ استوطنت المنطقة منذ أقدم العصور، وفي العصر السابق للإسلام، وتحديدا في الحقبة الساسانية والمناذرة، اتخذ في بعض مواقع مدينة سامراء حصون استراتيجية وعسكرية أثناء احتدام الصراع بين الروم والفرس. سامراء المعتصم ـــ كانت سامراء عاصمة الدولة العباسية بعد بغداد، وكان اسمها القديم (سر من رأى)، وقد بناها المعتصم العباسي سنة (221 هـ /835 م) لتكون عاصمة دولته. وتتحدث الروايات انه لما جاء يبحث عن موضع لبناء عاصمته، وجد هذا الموضع لنصارى عراقيين، فأقام فيه ثلاثة أيام ليتأكد من ملاءمته. فاستحسنه واستطاب هواءه، واشترى أرض الدير بخمسمائة درهم، وأخذ في سنة (221 هـ) بتخطيط مدينته التي سميت (سر من رأى)، وبعد أن تم بناء المدينة انتقل مع قواته وعسكره إليها، ولم يمض إلا زمن قليل حتى قصدها الناس وشيدوا فيها مباني شاهقة. وفي عهد المتوكل العباسي سنة (245 هـ/ 859 م) بنى مدينة المتوكلية وشيد الجامع الكبير ومنارة مئذنته الشهيرة الملوية التي تعد أحد معالم المدينة الأثرية. لقد بقيت مدينة سامراء عاصمة للخلافة العباسية فترة تقرب من 58 عاما، تمتد من سنة (220 هـ/834 م) إلى سنة (279 هـ/892 م). الغزو المغولي والصفوي ـــ تعرضت أغلب المباني في مدينة سامراء للتدمير أثناء الغزو المغولي (في عام 656 هـ - 1258 م) والصفوي لاحقا كما هو حال مدينة بغداد، ولقد هدمت اسوارها ومبانيها الشاهقة. الحكم العثماني ــــ شهدت المدينة في أثناء الحكم العثماني نهضة عمرانية صغيرة، وفي سنة (1299هـ/ 1881م) بنيت أول مدرسة ابتدائية في مدينة سامراء، وفي سنة (1294 هـ / 1878 م) أيام الدولة العثمانية نصب أول جسر على نهر دجلة يربط مدينة سامراء بالضفة الغربية للمدينة. المواقع الأثرية والدينية والسياحية مرقد العسكريين ـــ تتميز مدينة سامراء بأنها مركز يستقطب السائحين والزائرين لما تضمه من مواقع أثرية تاريخية ودينية ذات أهمية . المواقع الأثرية في سامراء ـــ نفذت أولى الحفريات الأثرية لسامراء القديمة بين 1911م وعام 1914م من قبل عالم الآثار الألماني إرنست هرتسفلد. ووضعت الكتب، والرسائل وتقارير الحفريات غير المنشورة والصور في معرض فرير للفنون في واشنطن العاصمة منذ عام 1946. على الرغم من أن الموقع الأثري الحالي الذي تغطيه أنقاض من الطابوق الطيني هو موقع واسع، فان موقع سامراء لم يكن موغلا كثيرا في العصور القديمة، ما عدا التراث السامري منذ العصر النحاسي (5500-4800 ق.م) والذي عثرعليه في موقع تل الصوان الغني، حيث الأدلة عن هندسة الري، بما في ذلك الكتان، يثبت ثقافة استيطان مزدهرة مع بنية اجتماعية منظمة للغاية. ابرز ما عرف عنه هذا التراث في المقام الأول هو الفخار الفاخر الصنع الذي تزينه خلفيات داكنة مع شخصيات منمطة من الحيوانات والطيور والتصاميم الهندسية المتقنة للغاية. هذا النوع من الفخار كان منتشراً كثيراً كونه متقن الصنع, وكان يُصَدَر كثيرا في الشرق الأدنى القديم على نطاق واسع, ومصدره سامراء. كانت الثقافة السامرية مقدمة لثقافة بلاد الرافدين خلال فترة العبيد. بنى سنحاريب مدينة سر مراتي عام 690 ق.م حسب لوحة تذكارية موجودة عند متحف والترز الفني في بالتيمور، ماريلاند والتي وجدت مهملة في في احدى المواقع الآشورية المحصنة في الحويجة عند نهر دجلة مقابل مدينة سامراء الحالية. بعض الأسماء الجغرافية القديمة لمدينة سامراء قد دونت من قِبل المسح الأثري لسامراء هو الاسم الإغريقي سوما , والاسم اللاتيني سوميري, وهو حصن مذكور خلال انسحاب يوليان المرتد عام 364 ب.م, والاسم السرياني سُمرة وهي قرية لا تزال موجودة في قضاء سامراء. وإن أهم معالم المدينة الأثرية ضريح المعتصم والجامع الكبير ومنارة مئذنته الشهيرة الملوية التي شيدت في عهد المتوكل العباسي سنة (245 هـ/ 859 م) مع مدينة المتوكلية الأثرية . المسجد الجامع بنيت في الأصل مئذنة للمسجد الجامع الذي أسسه المتوكل عام 237 هـ في الجهة الغربية لمدينة سامراء، والذ كان يعد في حينه من أكبر المساجد في العالم الإسلامي. المئذنة الملوية جاء اسمها من شكلها الاسطواني الحلزوني وهي بناء من الطابوق الفخاري يبلغ ارتفاعه الكلي 52 مترا تقع على بعد 27.25 متر من الحائط الشمالي للمسجد, وهي مقامة على قاعدة مربعة ضلعها (33 م) وارتفاعها (3 م) يعلوها جزء اسطواني مكون من خمس طبقات تتناقص سعتها بالارتفاع يحيط بها من الخارج درج حلزوني بعرض 2متر يلتف حول بدن المئذنة بعكس اتجاه عقارب الساعة ويبلغ عدد درجاته 399 درجة. في أعلى القمة طبقة يسميها أهل سامراء “بالجاون” وهذه كان يرتقيها المؤذن ويرفع به الأذان. ومن المعالم المهمة في المدينة القديمة النافورة، وقصر بلكوارا (شيده المعتز سنة 247 هـ\861م)،وقصر العاشق والمعشوق (شيده المعتمد العباسي سنة 264 هـ\877م)،وقصر المعتصم (الجوسق الخاقاني)،وقصر المختار، والقصر الوزيري، وقصر العروس، والقصر الجعفري، ومدينة المتوكلية (على بعد 10 كم شمال مدينة سامراء)،وقصر الجص، وبركة السباع، والقبة الصليبية التي تعتبر أول ضريح مبني في الإسلام ويحوي اليوم رفاة أربعة خلفاء. ومن المعالم المهمة دار العامة، وتل الصوان، وسور المدينة الأول. ومن أهم مدارسها المدرسة العلمية الجعفرية، والمدرسة العلمية السنية. وكان يحيط بالمدينة الجديدة سور مضلع يميل إلى الاستدارة، يبلغ طول محيطه 2 كم، ولا يتجاوز قطره 680 م، مبني بالجص والآجر، و يصل ارتفاعه إلى 7 م، وكان له 19 برجا وأربعة أبواب، هي باب القاطول، وباب الناصرية، وباب الملطوش، وباب بغداد، وظل هذا السور ماثلا للعيان حتى سنة (1356 هـ / 1936 م). واكثر بيوت المدينة مبنية بالآجر وتنتشر في أرجائها الحدائق العامة والخاصة، وفتح فيها متحف وضعت فيه المخطوطات والآثار ولاسيما بعد أن باشر هرتشفيلد الألماني في عمليات التنقيب المنظمة في المدينة الإسلامية الدارسة، وكشف عن الكثير من معالمها وأنجلى الكثير من أصول فنون العمارة التي كانت مطمورة، ولاسيما أعمال الجص التي كانت الباكورة لأعمال الجص في العمارة الإسلامية، وكذلك رسومات الفريسكو (على الجص) التي تحاكي في طرازها الفنون الآرامية النحتيه في مدينة الحضر. ولقضاء سامراء ثلاث نواح هي: تكريت، بلد، الدجيل (مركز قرية سميكة). أما محلاتها فهي: محلة العابد، ومحلة البوجول، ومحلة البوبدري، ومحلة البونيسان، والمحلة الغربية، ومحلة القاطول، ومحلة القلعة، والمحلة الشرقية. وأهم شوارعها: شارع الخليج، وشارع السريحة (يعرف بشارع الاعظم)،وشارع الحير الاول، وشارع أبي أحمد بن الرشيد، وشارع برغمش التركي. ومن أهم مساجدها: جامع سامراء الكبير الذي شيده المعتصم عند بداية بناء المدينة سنة (221 هـ)،وجامع القلعة، ومسجد حسن باشا، ومسجد حميد الحسون، ومسجد سيد درويش، ومسجد البورحمان، ومسجد علي بن أبي طالب (ع)،ومسجد الحاج صالح الرحماني، ومسجد الارقم، ومسجد أولاد الحسن (ع)،وجامع الفاروق. ويعتبر جامع أبي دلف وملويته والذي يبعد نحو 15 كم عن شمال المدينة من الآثار العباسية المهمة في المدينة. وثمة الكثير من القبور التابعة لأشخاص مرموقين أو ذوي حظوة أو قدسية في سامراء. ومن أهمها مشهد الامامين علي الهادي (ع) والحسن العسكري (ع). وثمة قبور أخرى مثل مشهد صاحب الزمان(ع)،وقبة سرداب الغيبة وقبر السيدة نرجس زوج الإمام الحسن العسكري (ت سنة260 هـ\873م)،وقبر السيدة حليمة بنت الإمام الجواد (ع)(توفت في نفس العام)،ومرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي (ع)(ت سنة 252 هـ\866م)،وقبر أبي هاشم داود من ذرية عبد الله بن جعفر (ت سنة 261 هـ-874م)،وقبر الإمام محمد الدري الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الكاظم (ع)(ت سنة 300 هـ\912م) الذي تعلوه قبة مقرنصة سلجوقية(تحاكي قبر زمرده خاتون في كرخ بغداد). ويوجد في سامراء قبر الشيخ محمد الجاجيري (ت سنة 590 هـ\1194م)،وقبر الشيخ كمر بن هلال (ت سنة 1200 هـ\1785م)،ومرقد بنات الكاظم في ناحية الدجيل، ومرقد بنات الحسن في منطقة الجلام، مرقد آمنة بنت الإمام الحسن، مرقد إبراهيم بن مالك الإشتر النخعي، و قبر أحمد الدنبلي الخوئي (سلطان خوي)(ت سنة 1200 هـ)،وقبر محمود الطهراني (ت سنة 1304 هـ)،وقبر مهدي الشيرازي (ت سنة 1308 هـ\1890م)،ومرقد إبراهيم النوري (ت سنة 1320 هـ\1902م)،وقبر محسن الزنجاني (ت سنة 1321 هـ\1903). وهكذا يمكن أن تكون تلك الأضرحة والقبور والمواقع التاريخية مصدر جذب سياحي لمستقبل مدينة سامراء.