top of page
صورة الكاتبAdmin

محمد بن القاسم الثقفي - د.صالح العطوان الحيالي


محمد بن القاسم الثقفي - د.صالح العطوان الحيالي

-----------------------------------------

محمد بن القاسم الثقفي شاب في عمر 17عاما يقود جيش المسلمين ويفتح بلاد السند والبنجاب محمد بن قاسم بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب الثقفي , يجتمع هو والحجاج بن يوسف في الحكم بن أبي عقيل .... محمد بن القاسم فاتح بلاد السند والبنجاب «باكستان»، تعد من أكبر البلاد الإسلامية، التي استعصت على كثير من القادة، ومؤسس أول دولة إسلامية في الهند، فكتب اسمه في سجلِّ الفاتحين الأبطال. محمد بن القاسم بن الحكم الثقفي، وُلد عام 72هـ بمدينة الطائف، من أصغر قادة الإسلام عمراً، فارس، اتصف بالتواضع، عُرف عنه العدل والكرم وحبه للجهاد، عمه الحجاج بن يوسف الثقفي كان والياً على العراق، فعين القاسم حاكماً على البصرة، فانتقل إليها محمد مع أبيه، ونشأ بين القادة، وتدرَّب على الجندية. في عهد الحجاج بن يوسف، استولى مجموعة قراصنة من بلاد السند بعلم ملكهم على سفينة أثناء إبحارها إلى العراق، تقل نساء مسلمات، فأطلقت امرأة منهن صرخة استغاثة «واحجاج.. واحجاج» فعلم الحجاج بالخبر، فطلب من ملك السند الإفراج عن النساء والسفينة، لكنه اعتذر مبرراً أنه ليس له على الخاطفين سلطان، فغضب الحجاج وبعث حملتين الأولى بقيادة عبيد الله بن نبهان السلمي والثانية بقيادة بديل البجلي، لكنهما فشلتا، وقُتل القائدان، وتم سجن النساء بسجن الديبل، فأقسم الحجاج ليفتحن هذه البلاد وينشر الإسلام في ربوعها وإطلاق سراح النساء، فاستشار الخليفة الوليد بن عبدالملك فوافقه. نشأة محمد بن القاسم الثقفي ــــــ وُلِدَ محمد بن القاسم الثقفي سنة (72هـ= 691م) بمدينة الطائف في أسرة معروفة؛ فقد كان جدُّه محمد بن الحكم من كبار الثقفيين. وفي سنة (75هـ= 694م) صار الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا عامًّا على العراق والولايات الشرقية التابعة للدولة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، فعيَّن الحجاج عمَّه القاسم واليًّا على مدينة البصرة، فانتقل الطفل محمد بن القاسم إلى البصرة؛ حيث يحكمها والده، فنشأ محمد منذ نعومة أظفاره بين الأمراء والقادة، ثم بنى الحجاج مدينة واسط، التي صارت معسكرًا لجنده الذين يعتمد عليهم في الحروب، وامتلأت بسكانها الجدد وقوم الحجاج، وفي هذه المدينة وغيرها من مدن العراق نشأ وترعرع محمد بن القاسم الثقفي وتدرَّب على الجندية؛ حتى أصبح من القادة المعروفين وهو لم يتجاوز بعدُ 17 عامًا من العمر.وفي ايامنا هذه يعتبرون كل من في هذا العمر مراهق وكان محمد بن القاسم الثقفي يسمع كثيرًا عن بلاد السند، ولم تكن تلك البلاد في ذلك الحين غريبة على المسلمين؛ فقد كان لهم فيها سابقة من غزوات في عهد الخليفة عمر والخليفة عثمان بن عفان، ثم زاد اهتمام العرب ببلاد السند حين قامت الدولة الأموية على يد الخليفة معاوية بن أبي سفيان في سنة (40هـ= 661م)، حتى نجح في فتح إقليم مهمٍّ بتلك البلاد؛ وهو إقليم مكران، الذي كان يحكمه الولاة الأمويون بعد ذلك بصفة مستمرَّة. صفاته ـــ بدت على محمد بن القاسم الثقفي أمارات النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميرًا على ثغر السند وهو لم يتجاوز 17 عامًا، وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد سحر الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقًا شديدًا. وكان من دأب محمد بن القاسم الثقفي أن يجنح إلى الصلح والسلم ما وسعه ذلك، وقد أوصاه بذلك الحجاج بن يوسف الثقفي: "إذا أردت أن تحتفظ بالبلاد فكن رحيمًا بالناس، ولتكن سخيًّا في معاملة من أحسنوا إليك، وحاول أن تفهم عدوك، وكن شفوقًا مع من يعارضك، وأفضل ما أوصيك به أن يعرف الناس شجاعتك، وأنك لا تخاف الحرب والقتال". وكان محمد بن القاسم يتصف بالتواضع الرفيع، فكان في جيشه من يكبر أباه سنًّا وقدرًا، فلم تجنح نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة، ولكنه لم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم، بَنَى المساجد في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة. عدوان قراصنة السند ـ ـــــ حدث في سنة (88هـ= 707م) أن سفينة عربية كانت قادمة من جزيرة الياقوت (بلاد سيلان) وعليها نساء مسلمات، وقد مات آباؤهنَّ، ولم يبقَ لهنَّ راعٍ هناك، فقرَّرْنَ السفر للإقامة في العراق، ورأى ملك سيلان في ذلك فرصة للتقرُّب إلى العرب فوافق على سفرهنَّ، بل حمَّل السفينة بهدايا إلى الحجاج والخليفة الوليد بن عبد الملك، وبينما كانت السفينة في طريقها إلى البصرة مارَّة بميناء الديبل ببلاد السند، خرج قراصنة من السند واستولَوْا عليها. وعندئذٍ كتب الحجاج إلى ملك السند يطلب منه الإفراج عن النساء المسلمات والسفينة، ولكنه اعتذر عن ذلك بحجَّة أن الذين خطفوا السفينة لصوص لا يقدر عليهم، فبعث الحجاج حملتين على الدَّيْبُل؛ الأولى بقيادة عبيد الله بن نبهان السلمي، والثانية بقيادة بُدَيْل البجلي، ولكنَّ الحملتين فشلتا، بل قُتل القائدان على يد جنود السند. ووصلت الأخبار إلى الحجاج أن النساء المسلمات والجنود العرب مسجونين في سجن الديبل، ولا يُريد ملك السند الإفراج عنهم عنادًا للعرب، وهنا كانت الأسباب تُلِحُّ على الحجاج في إرسال جيش كبير لفتح تلك البلاد، التي كان قراصنتها يُضايقون السفن العربية التجارية المارَّة بين مواني البلاد العربية ومواني بلاد الهند. قيادة محمد بن القاسم وفتوحاته ....فتح الديبل وبلاد السند ــــــ تم اختيار محمد بن القاسم لفتح بلاد السند، لتميزه بالشجاعة وحُسن القيادة والتصرف، فقام بإعداد وتجهيز جيش قوامه عشرون ألف مقاتل وتوجه بهم إلى بلاد السند مجتازاً حدود إيران، وبرزت موهبة ابن القاسم في حفر الخنادق ونصب المنجنيقات لدك الحصون والقلاع وإشعالها، وفي طريقه تم فتح مدن مكران وفنزبور وأرمائيل وتغلغل في أرض السند، وفتح كل المدن التي مر بها حتى وصل إلى مدينة الديبل، وهي أحصن مدن السند، وبها أكبر صنم يعبده أهلها، فحاصرها وفتحها وحطم أكبر أصنامهم، بعدها استعد لمقاتلة الجيش السندي بقيادة داهر حاكم الإقليم، ودارت معركة طاحنة، أمعن فيها المسلمون تقتيلاً وكانت الغلبة لهم، وقُتل حاكم السند، وارتد جنده، وانتصر المسلمون. امتد محمد بن القاسم في فتوحاته وفتح حيدر آباد صلحاً، واستطاع فتح حصن راود، واجتاز نهر بياس وعبر إلى إقليم الملتان واستولى عليه، حتى وصل إلى حدود كشمير، وهدم معابد الوثنية والبوذية وبنى المساجد وأقام شعائر الإسلام وصبغ الصبغة الإسلامية على بلاد السند، وأصبحت خاضعة لحكم الخلافة الإسلامية، وقامت أول دولة إسلامية فيها، فعينه الحجاج بن يوسف أميراً على السند، ولم يتجاوز سبعة عشر عاماً. عُين سليمان بن عبدالملك خليفة على العراق، فعزل غريمه الحجاج بن يوسف، وأمر محمد بن القاسم بالعودة، الذي راوده حلم فتح بلاد الهند، لكنه رضخ للأمر، وهو يعلم أن مصيره الهلاك، بسبب الخلافات بين عمه والخليفة، فودعته الجموع الحاشدة من أهل السند باكية، لكنه رفض مخالفة الأمر، فعاد وبعد فترة مات في عام 95 هـ ولم يتجاوز عمره الرابعة والعشرين عاماً، بعد أن ضم باكستان واستضاء بجهاده مئة مليون مسلم. قرَّر الحجاج فتح بلاد السند كلها، وقد وقع اختياره على محمد بن القاسم الثقفي ليقود الجيش، وجهَّزه بكل ما يحتاج إليه في ميدان القتال، وتحرَّك البطل محمد بن القاسم بجيشه المكوَّن من ستة آلاف مقاتل من العراق إلى الشِّيراز في سنة (90هـ= 709م)، وهناك انضمَّ إليه ستة آلاف أخرى من الجند، وبعد استكمال الاستعدادات في شِيراز انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق، حتى وصل مُكْرَان، ثم توجَّـه منها إلى فنزبور، ثم إلى أَرْمَائِيل، ثم هجم المسلمون على مدينة الدَّيْبُل فاقتحموا أسوارها فدخلها ابن القاسم، وبعد فتح مدينة الديبل -أحصن مدن السند- واصل محمد بن القاسم سيره، فكان لا يمرُّ على مدينة إلَّا فتحها وهدم معابد الوثنية والبوذية بها، وأقام شعائر الإسلام، وأسكنها المسلمين، وبنى المساجد حتى غَيَّر خريطة البلاد تمامًا، وصبغها بصبغة إسلامية تامَّة. استطاع محمد بن القاسم أن يبهر الهندوس بشخصيته القوية الحازمة، وقد تعجبوا من شجاعته وحُسن قيادته لجيش كبير وهو دون الثامنة عشر، وبالفعل أسلم عدد كبير من الزُّطِّ وهم من بدو الهنود, وانضمَّ منهم أربعة آلاف رجل يُقاتلون مع محمد بن القاسم, وكان لهم أثر كبير في القتال لخبرتهم بالبلاد ومعرفتهم بلغة الهنود. ثم إن محمد بن القاسم سار إلى البيرون (وهي حيدر آباد حاليًا) فتلقَّاه أهلها وصالحوه كذلك، وكان لا يمرُّ بمدينة إلَّا فتحها صلحًا أو عَنوة، وتوَّج ذلك كله بالانتصار على داهر ملك السند، ومضى يستكمل فتحه، فاستولى على حصن راوَدْ، ثم برهماناباذ، والرور وبهرور، ثم اجتاز نهر بَيَاس وعبر إلى إقليم المُلْتَان، فاستولى عليه بعد قتال شديد، وغنم كميات كبيرة من الذهب. واستمرَّ ابن القاسم في مسيره حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير؛ وبذلك استطاع محمد بن القاسم أن يُخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدَّة لم تتجاوز ثلاث سنوات فقط، واستمرَّ محمد في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند حتى انتهى منها سنة (96هـ= 715م)، وبذلك قامت أول دولة عربية في بلاد السند والبنجاب، ولقد جاءته قبائل الميد والجات والزُّطِّ تقرع الأجراس فرحة هاتفة، مُرَحِّبَة به لأنه محرِّرهم من ظلم الهندوس واستعبادهم. وقد كان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قُورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء. نهاية محزنة لمحمد بن القاسم ــــ لما كان محمد بن القاسم الثقفي يُفَكِّر في أن يتوجَّه بجيش الفتح إلى حدود بلاد الهند، وصله أمر الخليفة الجديد سليمان بن عبد الملك بالتوجُّه إلى العراق، فرضخ الشاب المؤمن لقضاء الله، وهو يعلم أن مصيره الهلاك، لا لذنب اقترفه؛ ولكن لسوء حظٍّ وقع فيه، بسبب بعض تصرُّفات سياسية من قريبه الحجاج، واستعدَّ الفتى الحزين للسفر، فخرجت الجموع الحاشدة لتوديعه باكية حزينة، لم يكن العرب وحدهم يبكون على مصيره؛ بل أهل السند من المسلمين، حتى البرهميون والبوذيون كانوا يذرفون الدموع الغزيرة، ويرجونه أن يبقى في بلاد السند، وسوف يقفون خلفه إذا دقَّ الخطر بابه، ولكنَّ نفسه الأبية رفضت مخالفة أمر الخليفة. ووصل محمد بن القاسم إلى العراق، فأرسله والي العراق صالح بن عبد الرحمن مقيدًا بالسلاسل إلى سجن مدينة واسط بسبب عداوته للحجاج، وهناك عذَّبه شهورًا بشتَّى أنواع التعذيب؛ حتى مات البطل الفاتح في سنة (96هـ= 715م). إن البطل محمد بن القاسم الثقفي فاتح بلاد السند، يُعتبر من أعظم الأبطال في التاريخ الإسلامي، إنه بطل بما تحمله كلمة البطولة من معانٍ، وقد أودع الله –عز وجل- بين جنبيه نفسًا بعيدة المطامح لخدمة الإسلام.


١١ مشاهدة٠ تعليق
bottom of page