top of page

الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه - د.صالح العطوان الحيالي

  • صورة الكاتب: Admin
    Admin
  • ٦ ديسمبر ٢٠١٧
  • 12 دقائق قراءة

الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه - د. صالح العطوان الحيالي

---------------------------------------------------------

رحالة في الطريق إلى الإسلام " الباحث عن الحق " الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه " سلمان الفارسي (المتوفي سنة 33 هـ) صحابي، ومولى للنبي محمد، وأحد رواة الحديث النبوي، وهو أول الفرس إسلامًا؛ أصله من بلاد فارس، ترك أهله وبلده سعيًا وراء معرفة الدين الحق؛ فانتقل بين البلدان ليصحب الرجال الصالحين من القساوسة، إلى أن وصف له أحدهم ظهور نبي في بلاد العرب، ووصف له علامات ليتحقق منه. اتفق سلمان مع قوم من بني كلب لينقلوه إلى بلاد العرب، فغدروا به وباعوه إلى يهودي من وادي القرى، ثم اشتراه يهودي آخر من يثرب من بني قريظة، ورحل به إلى بلده.وعند هجرة النبي محمد إلى يثرب، سمع به سلمان، فسارع ليتحقق من العلامات، فأيقن أنه النبي الذي يبحث عنه. فأسلم، وأعانه النبي محمد وأصحابه على مُكاتبة مالكه، حتى أُعتق. بعد عتقه، شهد سلمان مع النبي محمد غزوة الخندق، وهو الذي أشار على النبي محمد بحفر الخندق لحماية المدينة من قريش وحلفائها، ثم شهد معه باقي المشاهد. وبعد وفاة النبي محمد، شهد سلمان الفتح الإسلامي لفارس، وتولى إمارة المدائن في خلافة عمر بن الخطاب إلى أن توفي في خلافة عثمان بن عفان. ولد سلمان الفارسي في أصبهان من بلاد الفرس في قرية تسمى"جي" وكان أبوه دهقان "الرئيس الديني" لتلك القرية فحبسه حتى يتعلم رعاية النار المقدسة التي كان الفرس يعبدونها . روى عبد الله بن عباس عن سلمان قصة نشأته إلى وقت إسلامه حيث قال: «كنت رجلاً فارسيًا من أهل أصبهان، من أهل قرية منها يقال لها جي وكان أبي دهقانها، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل بي حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. وكانت لأبي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: «يا بني، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها»، وأمرني ببعض ما يريد. فخرجت، ثم قال: «لا تحتبس علي، فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري». فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت إليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلواتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: «هذا - والله - خير من الدين الذي نحن عليه»، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: «أين أصل هذا الدين؟»، قالوا: «بالشام». ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: «أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟»، قلت: «يا أبة، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس». قال: «أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه». قلت: «كلا والله، إنه لخير من ديننا». قال: «فخافني، فجعل في رجلي قيدًا، ثم حبسني في بيته». فبعثت إلى النصارى، فقلت: «إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم». فقدم عليهم ركب من الشام، فأخبروني بهم، فقلت: «إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة، فأخبروني». ففعلوا، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام. فلما قدمتها، قلت: «من أفضل أهل هذا الدين؟»، قالوا: «الأسقف في الكنيسة». فجئته، فقلت: «إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك». قال: «فادخل»، فدخلت معه، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها شيئًا، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع. ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: «إن هذا رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتم بها، كنزها لنفسه، ولم يعط المساكين»، وأريتهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة، فلما رأوها قالوا: «والله لا ندفنه أبدًا». فصلبوه ثم رموه بالحجارة. ثم جاءوا برجل جعلوه مكانه، فما رأيت رجلاً أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلاً ونهارًا، ما أعلمني أحببت شيئًا قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة، فقلت: «يا فلان، قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني والله ما أحببت شيئًا قط حبك، فماذا تأمرني وإلى من توصيني؟»، قال لي: «يا بني - والله - ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل فائته، فإنك ستجده على مثل حالي». فلما مات وغيب لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد، فقلت له: «إن فلانًا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك». قال: «فأقم أي بني». فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة، فقلت له: «إن فلانًا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني به؟»، قال: «والله ما أعلم، أي بني، إلا رجلا بنصيبين». فلما دفناه، لحقت بالآخر، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت، فأوصى بي إلى رجل من أهل عمورية بالروم، فأتيته فوجدته على مثل حالهم، واكتسبت حتى كان لي غنيمة وبقيرات. ثم احتضر فكلمته إلى من يوصي بي؟ قال: «أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل؛ فإنه قد أظلك زمانه». فلما واريناه، أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب، فقلت لهم: «تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه؟»، قالوا: «نعم». فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني، فباعوني عبدًا من رجل يهودي بوادي القرى، فوالله لقد رأيت النخل، وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي. وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة وادي القرى، فابتاعني من صاحبي، فخرج بي حتى قدمنا المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفت نعتها. فأقمت في رق، وبعث الله نبيه بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم رسول الله قباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له، فوالله إني لفيها إذ جاءه ابن عم له، فقال: «يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي». فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني الرعدة حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول: «ما هذا الخبر؟». فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: «ما لك ولهذا، أقبل على عملك». فقلت: «لا شيء؛ إنما سمعت خبرًا فأحببت أن أعلمه». فلما أمسيت، وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله وهو بقباء، فقلت له: «بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحابًا لك غرباء، وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد، فهاك هذا، فكل منه». فأمسك، وقال لأصحابه: «كلوا». فقلت في نفسي: «هذه خلة مما وصف لي صاحبي». ثم رجعت، وتحول رسول الله إلى المدينة، فجمعت شيئًا كان عندي ثم جئته به، فقلت: «إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية». فأكل رسول الله وأكل أصحابه، فقلت: «هذه خلتان». ثم جئت رسول الله ، وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف. فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي. فقال لي: «تحول». فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه. ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد. ثم قال رسول الله: «كاتب يا سلمان». فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة أحييها له بالفقير، وبأربعين أوقية. فقال رسول الله لأصحابه: «أعينوا أخاكم». فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، حتى اجتمعت ثلاث مائة ودية. فقال: «اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي». ففقرت لها وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها، جئته وأخبرته، فخرج معي إليها نقرب له الودي، ويضعه بيده. فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل، وبقي علي المال، فأتي رسول الله بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال: «ما فعل الفارسي المكاتب؟»، فدعيت له، فقال: «خذها، فأد بها ما عليك». قلت: «وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟»، قال: «خذها فإن الله سيؤدي بها عنك». فأخذتها فوزنت لهم منها أربعين أوقية، وأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله الخندق حُرًّا، ثم لم يفتني معه مشهد.» ورغم تلك الرواية، إلا أنه هناك روايات أخرى تناولت قصة إسلامه، منها أنه من رامهرمز من أهل قرية اسمها «جي»، وأن مولاه الذي باعه هو عثمان بن الأشهل القرظي اليهودي، كما قيل أن النبي محمد آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وقيل آخى بينه وبين حذيفة بن اليمان، إلا أن الزُّهريّ أنكر مسألة مؤاخاته، لأن المؤاخاة اُبطلت بعد غزوة بدر، وسلمان يومئذ كان في الرق. كانت غزوة الخندق أول معارك سلمان التي يخوضها مع النبي محمد، وهو الذي أشار عليه بحفر الخندق حول المدينة المنورة للدفاع عنها أمام جيش قريش، وحلفائها. حيث كان الفرس يحفرون الخنادق للدفاع في الحرب، فقال سلمان: «يا رسول الله كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا»، ثم شهد معه باقي المشاهد بعدها. وبعد وفاة النبي محمد، شارك سلمان في فتوح العراق، تولى سلمان إمارة المدائن ورغم ذلك، فكان يعمل بيده، فإذا تحصّل له مال اشترى به طعامًا، ودعا الفقراء يأكلون معه. وكان الخلفاء قد جعلوا له راتبًا 5,000 درهم، إلا أنه كان ينفقها على الفقراء، فقد روى الحسن البصري أنه: «كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفًا من الناس، يخطب في عباءة يفرش نصفها، ويلبس نصفها. وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده». توفي سلمان في خلافة عثمان بن عفان بالمدائن سنة 33 هـ، وقيل توفي سنة 36 هـ، وكانت لسلمان زوجة من قبيلة كندة اسمها بُقيرة، وقيل أنه كان له بنت بأصبهان لها نسل وبنتان بمصر. أما صفته، فقد كان سلمان رجلاً قويًا، طويل الساقين، كثير الشعر. قال عنه الذهبي: «كان لبيبًا حازمًا، من عقلاء الرجال وعُبّادهم ونبلائهم. » فكان سلمان مجوسياً يعبد النار؟ ولكنه لم يكن مقتنعاً بدين أبيه كان يؤمن بأن للكون إلهاً عظيماً ينبغي أن تكون الصلاة والعبادة له وحده . وذات صباح كلفه أبوه بالذهاب إلى ضيعة لهم اشتراها بعيدة بعض الشيء عن دارهم وتفقد أحوال العمل فيها وإحضار بعض الفاكهة منها وأثناء سيره مر على إحدى الكنائس ورأى النصارى يصلون وسمع أصواتهم يدعون الله فدخل الكنيسة لينظر الأمر فأعجبته صلاتهم وقال لنفسه: إن هذا الدين خير من الدين الذي نحن عليه .. وظل مع النصارى يومه كله يسألهم عن دينهم وكيفية الدخول في هذا الدين فأخبروه أن يذهب إلى الشام لمقابلة القساوسة وتلقي الدين على أيديهم . . . وبعد غروب الشمس خرج سلمان من الكنيسة متوجهاً إلى داره دون أن يذهب إلى الضيعة وأخبر أباه بما كان من أمر النصارى وأنه يريد أن يدخل في هذا الدين الذي هو خير من عبادة النار التي لا تملك أمر نفسها فحبسه أبوه وقيده واستطاع سلمان أن يفك قيده ويهرب مع إحدى القوافل المتوجهة إلى الشام بعد ما أنهت عملها ووصل سلمان إلى الشام وسأل من أفضل أهل هذا الدين؟ فقيل له: هذا الأسقف الذي في الكنيسة .. فأسرع إليه وطلب منه أن يعلمه أمور هذا الدين وعاش سلمان في الكنيسة مع الأسقف . وكما يوجد في كل زمان ومكان من يتاجر بالدين ويتخذه ستاراً لأغراضه الدنيوية. كان رجل الدين الذي التقى به سلمان يأخذ الصدقات لنفسه ولا يعطيها للفقراء. ولما رأى سلمان منه ذلك أبغضه بغضاً شديداً وقال لنفسه: إن ما يفعله هذا الأسقف ليس من الدين الذي يأمر الناس بالمعروف وإعطاء الفقراء الصدقات والعطف على المساكين ولكنه ظل في الكنيسة معه فترة حتى مات الأسقف فلما اجتمع النصارى ليدفنوه أخبرهم بما كان يفعله هذا الأسقف وأراهم موضع الأموال والذهب والفضة التي كانت تأتيه صدقات فيكنزها لنفسه, واجتمع النصارى فاختاروا لهم أسقفاً جديداً فكان رجلاً ورعاً طيباً يخاف الله ويعطي كل ذي حق حقه . . . وظل مع ذلك الأسقف المتدين حتى جاءه أجله فقال له سلمان: بماذا توصيني أن أعمل بعدك؟ فأوصاه أن يذهب إلى رجل دين بالموصل ورع وطيب ليعيش معه فذهب إليه سلمان والتقى به فوجده طيباً ورعاً فأقام معه, وحين حضرته الوفاة طلب إليه سلمان أن يوصيه ويخبره أين يذهب؟ فقال له:((اذهب إلى نصيبين فهناك تجد رجل دين ورعاً وذهب سلمان إلى نصيبين والتقى بهذا القس وعاش معه متديناً حتى حضرت ذلك الرجل الوفاة فقال له: أيها القس بماذا تأمرني وتوصيني أن أعمل الآن؟ فقال له القس: اذهب إلى عامورية ستجد قساً ورعاً وذهب إلى عامورية وعاش مع القس الصالح وحين حضرته الوفاة سأله سلمان ماذا يفعل بعده؟ فقال له: إني يا بني لا أعرف أحداً على مثل ما نحن عليه ولكن أعلم وأجد في الكتب عندنا أنه بأرض العرب سوف يخرج نبي من بني إسماعيل مبعوث على دين إبراهيم عليهما الصلاة والسلام وهذا النبي سوف يخرجه قومه من أرضه مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بهذه البلاد فافعل ومات الرجل ودفن وخرج سلمان يبحث عن النبي المنتظر رسول الله وبينما هو في الطريق إذ خرج عليه نفر كانوا في تجارة لهم فطلب إليهم أن يحملوه معهم إلى بلاد العرب ويعطيهم ما معه من بقرات وغنيماته ولكنهم حين وصلوا إلى وادي القرى باعوه إلى رجل من اليهود فأصبح سلمان عبداً مملوكاً لهذا التاجر اليهودي . تألم سلمان لكونه أصبح عبداً مملوكاً للتاجر اليهودي ولكنه حين نظر حوله ووجد النخيل تفاءل واستبشر خيراً بأن تكون هذه البلدة هي التي سيهاجر إليها النبي المنتظر, ثم باع التاجر اليهودي سلمان إلى قريب له يعيش في يثرب وهكذا دخل سلمان المدينة المنورة عبداً مملوكاً لهذا التاجر اليهودي الجديد وهو من بني قريظة ويعيش في المدينة, ولم يخفف عن سلمان وقع الرق والعبودية إلا وجوده في هذه المدينة التي كان يعلم أنها مدينة النبي المنتظر كما وصفها له الأسقف النصراني . وبُعث رسول الله بدين الحق في مكة أم القرى واضطهدته قريش وأخرجته مهاجراً إلى المدينة فسمع به سليمان, وذات صباح وبينما كان سلمان يعمل في حديقة اليهودي حين حضر إليه قريب له فأخذ يقص عليه قصة الرجل الذي تجتمع إليه الناس في قباء ويزعمون أنه نبي, فما أن سمع سلمان ذلك حتى انتفض بدنه بشدة حتى ظن أنه سوف يقع على سيده ونزل من على النخلة وأخذ يستفسر عن ذلك النبي المنتظر فغضب منه سيده فلكمه لكمة شديدة. ولكن سلمان أخذ بعض العنب وذهب به إلى رسول الله . حدَّثَ سلمان نفسه لا بد وأنه الرسول المنتظر ومن علاماته التي يعرفها سلمان جيداً أنه لا يأكل الصدقة فلينظر ماذا سيفعل. وقال سلمان لرسول الله : لقد بلغني أنك رجل صالح وأنك ومن معك غرباء هنا ومعي طعام كنت قد خرجت به للصدقة ورأيت أن أعطيه لكم لأنكم عابري سبيل فقال رسول الله لأصحابه: كلوا منه وأمسك يده فلم يتناول منه شيئاً, فقال سلمان لنفسه: هذه أولى العلامات التي حدثني عنها القس الطيب ثم دخل الرسول المدينة "التي كانت تسمى يثرب" فأسرع إليه سلمان بهدية وقدمها إليه وهو يقول له: إنها هدية لك لأني رأيتك لا تأكل من الصدقات فأكل منها رسول الله و أكل أصحابه معه, فقال سلمان لنفسه: هذه العلامة الثانية والله وقام رسول الله ليصلي على جنازة فتحول سلمان إلى ظهره ليرى خاتم النبوة فألقى رسول الله رداءه عن ظهره فنظر سلمان فرأى الخاتم, فأخذ يقَــبِّل رسول الله ويبكي فأمسك به رسول الله وسأله عن قصته فقص عليه سلمان حكايته كاملة . ولكن سلمان ظل عبداً عند اليهودي ففاتته غزوة بدر وغزوة أُحد, وحين اشتد على سلمان الرق جاء إلى رسول الله معتذراً عن عدم قدرته في المشاركة في الغزوات وألمه لتخلفه عنه لأنه عبد مملوك لا يملك أمره. هنا قال رسول الله : كاتب اليهودي على ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من الفضة والتفت إلى أصحابه وقال لهم: أعينوا أخاكم جزاكم الله خيراً فجمعوا له ثلاثمائة ودية"هي الفسيلة الصغيرة التي تكبر فتصير نخلة بعد أن تنزع من أمها" ثم أمره أن يرجع إلى اليهودي فيحفر لها بأرضه وسوف يأتي رسول الله ويضعها بيديه الشريفـتين وبقي المال فأعطاه رسول الله مثل البيضة ذهباً فأدى بها ما عليه من مال وهكذا تحرر سلمان من العبودية . كان سلمان الفارسي هو صاحب فكرة الخندق في تلك الغزوة الشهيرة باسم الخندق والأحزاب, فقد خرجت اليهود تحرض قريش على غزو رسول الله , وتعدهم بالوقوف معهم ضد المسلمين ثم ذهبوا إلى غطفان فدعوهم وفعلوا ذلك مع باقي قبائل العرب فاستجاب منهم بعضهم فخرجت قريش في أربعة آلاف مقاتل وتبعهم بنو سليم وبنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة وغطفان وكان مجموعهم عشرة آلاف . وجمع النبي أصحابه يشاورهم في غدر يهود بني قريظة بهم فأشار عليهم سلمان الفارسي بحفر الخندق, فقام أصحاب النبي بحفر الخندق وشاركهم رسول الله (ص) في العمل بيديه الشريفـتين . أثناء حفر الخندق كان سلمان يعمل مع المهاجرين والأنصار في حفره فقالت الأنصار: إن سلمان منا نحن الأنصار وقال المهاجرون: بل سلمان منا نحن المهاجرين)) فقال صلى الله عليه وسلم :(سلمان منا أهل البيت ) ومن تواضعه رضي الله عنه أنه ذات يوم كان رجل يشتري علفاً ورأى سلمان يسير أمامه وكانت ملابسه غاية في التواضع فظنه عاملاً فقيراً فناداه ليحمل عنه العلف وحمله فعلاً, رأى الناس سلمان يحمل العلف يسير بجواره فأسرعوا إليه يريدون أن يحملوا عنه حمله وهو يرفض, فسألهم الرجل: أتعرفونه؟ فقالوا ..إنه سلمان صاحب رسول الله فقال له الرجل: سألتك بالله أن تسامحني لم أكن أعرفك أرجوك اترك ما تحمل ولكنه رضي الله عنه أبى أن يترك ما يحمل للرجل حتى وصلا إلى دار الرجل وتركه ومضى. وإلى جانب تواضعه كان رفيقاً بالناس حتى إنه كان لا يكلف خادمه بعملين حتى لا يشق عليه أما عن نصائحه الغالية وكلماته المضيئة .. يقول :((ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني, مؤمل دنيا والموت يطلبه وغافل ليس بمغفول عنه وضاحك ملء فيه"فمه" وهو لا يدري أساخط عليه رب العالمين أم هو جل شأنه راضٍ عنه. وثلاث أحزنتني حتى أبكتني, فراق محمد و حزبه وهول المطلع والوقوف بين يدي ربي عز وجل ولا أدري إلى الجنة أم إلى النار أصير)) . أعلى النبي محمد(ص) من منزلة سلمان الفارسي، فقد روى أنس بن مالك عن النبي محمد قوله: «الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان. »، كما روى أنس قول النبي محمد: «أنا سابق ولد آدم، وسلمان سابق الفُرس». وفي يوم الأحزاب، لما تحاجج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، كل منهم يقول: «منا سلمان»، فقال النبي: «سلمان منا أهل البيت». كما أن سلمان كان سببًا في نزول آية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، حين أخبر سلمان النبي محمد خبر أصحابه من القسيسين الذين صحبهم قبل إسلامه، فقال: «كانوا يصومون ويصلون، ويشهدون أنك ستبعث». فقال النبي محمد: «يا سلمان، هم من أهل النار»، فاشتد ذلك على سلمان. وقال: «لو أدركوك صدقوك واتبعوك»، فنزلت الآية. كما كان الصحابة يُعظّمون قدره، فقد رُوي أنه لما حضر معاذ بن جبل الموت، قال له أصحابه: «أوصنا»، قال: «إن الإيمان والعلم مكانهما، من ابتغاهما وجدهما. قالها ثلاثًا، فالتمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم. فإني سمعت رسول الله يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة». » وحين سُئل علي بن أبي طالب عن أصحاب النبي محمد، فقال: «عن أيهم تسألون؟»، قيل: «عن عبد الله»، قال: «عَلِمَ القرآن والسُنّة، ثم انتهى وكفى به علمًا». قالوا: «عمار؟»، قال: «مؤمن نسيّ، فإن ذكرته، ذكر». قالوا: «أبو ذر؟»، قال: «وعى علمًا عجز عنه». قالوا: «أبو موسى؟»، قال: «صُبغ في العلم صبغة، ثم خرج منه». قالوا: «حذيفة؟»، قال: «أعلم أصحاب محمد بالمنافقين». قالوا: «سلمان؟»، قال: «أدرك العلم الأول، والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت». قالوا: «فأنت يا أمير المؤمنين؟»، قال: «كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت. » كما أنه حين قدم سلمان على عمر بن الخطاب وهو الخليفة، قال عمر للناس: «اخرجوا بنا نتلق سلمان» رضي الله عن سلمان الفارسي وعن صحابة رسول الله وعن التابعين


© 2016 مؤسسات خليل الشامي الثقافية .  Wix.comابتكار 

bottom of page