بلاد الشام - د.صالح العطوان الحيالي
----------------------------------
بلاد الشام " تعربفها ..حضارتها ..احاديث رسول الله (ص) فيها" يطلق اسم بلاد الشام تاريخيّاً ، على جزء مما يعرف بالمشرق العربي ، والذي يمتدّ ليشمل ساحل البحر الأبيض المتوسّط الشرقي حتّى بلاد الرّافدين . إن هذه التسمية لبلاد الشّام تعني كلّ من ( سوريا ، لبنان ، الأردن ، فلسطين ) ، وتعني كل البلاد التي استعمرت واقتطعت ، إن كان من سوريا ، حيث ضمّت تركيا الكثير من الأراضي إليها مثل : لواء الإسكندرون ، وأورفة ، وأضنة ، وأنطاكية ، وغيرها ... وإن كان من فلسطين ، حيث أنشأ الكيان الصهيوني على أغلب أراضي فلسطين ، ولم يبق لفلسطين غير الضفّة الغربيّة ، وقطاع غزّة ... إضافة إلى مناطق حدوديّة شماليّة من المملكة العربيّة السعوديّة ، وخاصّة منطقة الجوف ، وأيضاً قسماً سيناء مصر ، وقسماً من الموصل في العراق ، ويذكر أيضاً في بعض المراجع بأنّها تضمّ جزيرة قبرص ، والعراق كاملاً . يذكر أنّ اسم سوريا ، وحسب المؤرّخين اليونان والرّومان ، والمقصود فيه سوريا الكبرى ، قد استخدم منذ القدم من قِبَل اليونانيّين ، وهو اسم مشتقّ من كلمة ( آسورية ) ، حيث يقصد به الامتداد كاملاً من البحر الأبيض المتوسط ، إلى بلاد ما بين النهرين ، ليشمل الهلال الخصيب كاملاً ، حتّى أرمينيّة، تعرّضت بلاد الشّام عبر الأزمنة والعصور إلى مختلف أنواع الإحتلالات ، فحكمها أقوام عدّة من ( رومان ، فراعنة ، إغريق ، فرس ، عثمانيّين ، فرنسيّين ، بريطانيّين )، وتنسب التسمية لبلاد الشّام إلى سام بن نوح عليه السلام ، وذلك حسب ما أشارت الدراسات والأبحاث إلى أنّه عندما استقرت على جبل جودي سفينة نوح ، قد تفرق أبناءه ، فذهب سام إلى بلاد الشّام ، فنسبت لمنطقة إلى اسمه بعد تحريفٍ من كلمة سام إلى كلمة شام . أمّا اليوم ، وحسب مفهومنا الحديث وواقعنا ، فإنّ لفظة بلاد الشام تعني : الجمهوريّة العربيّة السّورية : وتعد أكبر دولة في بلاد الشّام من حيث المساحة ، وقعت تحت الانتداب الفرنسي ، وعاصمتها هي دمشق ، أقدم العواصم في التاريخ ، مساحتها الإجماليّة هي 185.180 كم 2 ، وعدد السكّان فيها يتجاوز الـ 22.530.746 مليون نسمة ، تتعامل في الليرة السوريّة ، ونظام حكمها جمهوري . المملكة الأردنيّة الهاشميّة : وتعد ثاني دولة من بعد سوريا من حيث الكبر ، وقت تحت الانتداب الإنكليزي ، وعاصمتها هي عمّان ، مساحتها الإجماليّة هي 89.342 كم2 ، وعدد السكّان فيها يتجاوز 6.508.887 مليون نسمة ، تتعامل في الدينار الأردني ، ونظام حكمها ملكي . الجمهوريّة اللبنانيّة : وتعد ثالث دولة في بلاد الشّام من حيث المساحة ، وكانت جزءاً من سوريا قديماً ، وقعت تحت الانتداب الفرنسي ، عاصمتها هي بيروت ، مساحتها الإجماليّة هي 10.452 كم 2 ، وعدد السكّان فيها يتجاوز 4.224.000 مليون نسمة ، تتعامل في الليرة اللبنانيّة ، ونظام حكمها جمهوري . دولة فلسطين : وتعد رابع دولة في بلاد الشّام من حيث الكِبَر ، وقعت تحت الانتداب الإنكليزي ، وقد أعطيت لإسرائيل عن طريق وعد بلفور لإقامة دولتها عليها ، حيث قسّمت إلى أقسام عدّة ، لتتبع الضفة الغربيّة إلى الأردن ، وتتبع غزّة إلى مصر ، أمّا إسرائيل فاستولت على كل أراضي الـ 48 ، عاصمتها هي القدس ، كانت تتعامل في الليرة الفلسطينيّة ، إلاّ أنّها اليوم تتعامل ، وحسب التقسيمات ، في الدينار الأردني وأيضاً الشيكل الإسرائيلي ، ولا يوجد إحصاءٍ يدلّ على موقعها الرقمي حسب المساحة ، ولا عدد سكانها ، بل هنالك محاولات جادة لطمس اسم فلسطين وحذفه عن الخارطة العالميّة واستبداله بإسرائيل ، هذا الكيان الغاصب ... حضارة بلاد الشام إنّ حضارة بلاد الشّام تشمل جميع الحضارات التي قامت عبر التاريخ في بلاد الشام التي تمتدّ من الجهة الغربية أي من سواحل البحر الأبيض المتوسّط ، لتصل إلى الجهة الشرقيّة أي ما يعرف بالجزيرة السّورية، لقد تعاقبت حضارات كثيرة في هذه المنطقة من بلاد الشّام والتي تعرف بسوريا القديمة ، ومن أهمّ هذه الحضارات ( الآراميّة ، الفينيقيّة ، الكنعانيّة ، الآشوريّة ، الأكاديّة .. وغيرها ) . في عام 2500 قبل الميلاد ، قد هاجر كلّ من الكنعانيّين والأموريين ، حيث استوطنوا جنوب بلاد الشّام ، وبسبب الاختلاف بين الشعوب ، فإنّ الأموريّون قد تأثّروا بحضارة السومريّين التي كانت سائدة في المناطق الداخليّة سوريا وأيضاً في مناطق ما بين النهرين ، وكذلك تأثّروا بحضارة الأكاديين ، لنجد بأنّ الكنعانيّين قد استقروا في فلسطين خاصّة على سواحل بلاد الشّام . وقد قام اليونانيّين بإطلاق اسم ( فينيقيا ) على ساحل بلاد الشّام وتحديداً الجزء المتوسّط والشمالي منه ، أطلقوا بالتالي اسم ( الفينيقيّين ) على سكّان هذا الساحل والذين هم السوريين والفلسطينيّين واللبنانيين ، والذين هم الكنعانيون، لم يكن الكنعانيون يفضلون الحروب ، ولكنهم كانوا يخوضونها فقط من أجل الدفاع عن أنفسهم ، حيث بنوا عدّة ممالك ، أهمّها (حبرون ، وطرطوس ، ويبوس ، وبيروت ، وارواد ، وصيدون ، وبيسان ، ومدين ، وحيفا ، وعكا، وصور ) وغيرها . رغم أنّ الآشوريون قد تمكّنوا من بسط سيطرتهم على الحكم في سوريا ، إلاّ أنّ الآراميون قد تمكّنوا من هزيمتهم ، وضمّوا بلاد الآشوريين إلى حكمهم وأراضيهم ، حيث حقّقوا الكثير من الازدهار لمملكتهم في ظل استقرار حكمهم الطويلة، وقد وجد في بلاد الشّام أول أبجدية في التاريخ عرفت بـ ( أبجدية رأس شمرا ) ، التابعة لمنطقة أوغاريت في سوريا ، منقوشة على ألواح حجرية في الكتابة المسماريّة التي تبلغ أعداد حروفها ثلاثين حرفاً . وتبيّن الدراسات ما كانت تتمتّع به هذه المنطقة من مركزٍ تجاريّ هامٍ ، إضافة لعدّة مناطق كمدينة جبيل التي تعرف بـ ( بيبلوس ) قديماً ، حيث كانت لها علاقات مع باقي الحضارات وخاصّة المصرية ، تتّصف بالمتانة، إنّ الحضارة القديمة لبلاد الشام كانت تولي أهميّة كبيرة في الكتابة والمكتبات ، حيث وجد آلاف المخطوطات والرقم المكتوبة والوثائق في حضارة مملكة إيبلا ، أو ما تعرف بـ ( تل مرديخ ) والتي تقع في شمال سوريا ، حيث نجد وثائق عن صياغة العقود التجاريّة ، وأيضاً المعاملات المختصّة بأمور الزراعة . لا نغالي إذا قلنا بأنّ الفينيقيّين هم الأكثر تفوّقاً بين الحضارات التي عرفت بالصناعات النسيجيّة من صوفية وقطنيّة وأيضاً الأقمشة ، وخاصة اللون الأرجواني والذي يعني كلمة الفينيق التي نسبوا لها ، ولا يغيب عن البال بأنّ الفينيقيّين هم أول من ركب البحر ، وتفوّقوا في الصناعات الزجاجيّة .. احاديث رسول الله (ص) من منّا لا يعرف بلاد الشام ، فهي الأرض المباركة ، وذكرت في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لأهميّتها وموقعها الجغرافي ، وأهميّتها الدينيّة ، تمتد بلاد الشام على الساحل الشرقي للبحر المتوسط حدود بلاد الرافدين " العراق " . كانت بلاد الشام مرتبطة تاريخياً بكل أجزائها لكن مع دخول الاستعمار وأطماعها ؛ قام في تجزئة بلاد الشام الى المواقع السياسية المعروفة حالياً : كالأردن ، سوريا ، فلسطين ، لبنان . كما أن مناخ بلاد الشام معتدل حار قليلاً في فصل الصيف وبارد في فصل الشتاء . وطبيعة المناخ الذي ساهمت في زيادة الحركة التجارية من عصر الجاهلية الى يومنا الحالي " لإِيلافِ قُرَيْشٍ ، إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فليَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ " . سورة قريش . وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم ان بلاد الشام من اعظم خيرة الله من أرضه ، وحرص أصحابه على بلاد الشام وزيارتها في حديثه ، عن عبد الله بن حوالة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستجدون أجناداً ، جنداً بالشام ، وجنداً بالعراق ، وجندا ًباليمن ، قال عبد الله: فقمت فقلت: خِرْ لي يا رسول الله ! فقال: (عليكم بالشام ، فمن أبى فليلحق بيمنه ، و ليستق من غدره ، فإن الله عز و جل تكفل لي بالشام و أهله) صحيح مسلم . وكما أنّ لبلاد الشام صفة عامّة مهمّة ، وبيت المقدس بصفة خاصة لوجود المسجد الأقصى فيه ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال [لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ". وكما أنه قال رسول الله اذا فسد أهل الشام يكثر الفساد في العالم بأجمعه ، الى أن يصلح أهل الشام قال عليه الصلاة والسلام كما في المسند وسنن الترمذي (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ) لكن متى ما صلحوا بإذن الله تعالى ستصلح أحوال المسلمين . ومن مميزات بلاد الشام أن الله عز وجل هو بنفسه يتكفلها برحمته تعالى لقول النبي صل الله عليه وسلم ، (عن زيد بن ثابت رَضِي اللَّه عَنْه قال: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقع إذ قال: طوبى للشام قيل له: ولم ؟ قال: إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم) . الترمذي . كما أن بلاد الشام أرض المحشر والمنشر ، ولأرض الشام خيرة البلاد وتعليمها الخاص ومساجدها الجميلة وتنافس الأسر في الاعتناء بالأيتام ، ( إنِّي رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ قَدِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ، فَعُمِدَ بِهَ إِلَى الشَّامِ، أَلاَ وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتْ الْفِتنُ بِالشَّام) " أحمد بن عمرو بن العاص . كما دعا رسول الله صل الله عليه وسلم لبلاد الشام ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :” اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا”. قالوا : يا رسول الله ، وفي نجدنا ؟ قال : ” اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا”. قالوا : يا رسول الله ، وفي نجدنا ؟ فأظنه قال في الثالثة : ” هناك الزلازل والفتن ، وبها يطلع قرن الشيطان”.البخاري . فلنسعى بالرباط في بلاد الشام لأهميتها ولنعمل بوصية رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم