top of page
صورة الكاتبAdmin

الكرم والجود والسخاء  - د. صالح العطوان الحيالي


الكرم والجود والسخاء - د. صالح العطوان الحيالي

------------------------------------------------- الإسلام دين الكرم والسخاء، فهو لم يكتف فقط بدعوة المسلمين إلى الإنفاق الفرضي والتطوعي، بل حثهم إلى مراقي الكرم والجود والسخاء، لذا فالمسلم جواد بما جبل عليه بطبيعته الإسلامية، حتى أنه حين يعطى لا يبقى لنفسه شيئًا، وإنما هو يأتمر في ذلك بأمر دينه وعقيدته، واقتداءً بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. كما أن الكرم والسخاء يأسران القلوب ويطيبان النفوس، فعن أنس رضي الله عنه قال: «إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنمًا بين جبلين فرجع إلى بلده وقال: أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى فاقة، فانظر وفقك الله كيف أثر هذا السخاء النبوي على قلب هذا الرجل وجعل منه بعد أن كان حربًا على الإسلام أصبح داعية إليه. وعن جابر رضي الله عنه قال: «ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال لا»، ومن الجود الهدية وقد قال صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا»، فالهدية باب من أبواب كسب القلوب وتنمية التآلف بينها. وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده. كما قيل: وَيُظْهر عيبَ المرء في الناس بخلُه ..... وتستره عنهم جميعا سخاؤه تَغَطَّ بأثواب السخاء فإنني ..... أرى كل عيب والسخاء غطاؤه قال ابن بطال رحمه الله: «وكذلك السخاء من أشرف الصفات؛ لأن الله تعالى سمى نفسه بالكريم الوهاب. وأما البخل فليس من صفات الأنبياء ولا الجلة الفضلاء، ألا ترى قول الرسول يوم حنين: «لو كان عندي عدد سمر تهامة نعمًا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً». وقال ابن مسعود: لاداء أدوى من البخل، وكان أبو حنيفة لايجيز شهادة البخيل، فقيل له فى ذلك: أنه يتقصى ويحمله التقصى على أن يأخذ فوق حقه». تعريف الكرم والسخاء: 1- الكرم لغة: يدلّ على شرف في الشّيء في نفسه، أو شرف في خُلق من الأخلاق، يقال رجل كريم، وفرس كريم، ونبات كريم، أمّا الكرم في الخلق فهو الصّفح عن ذنب المذنب، وقال الجوهريّ: الكرم ضدّ اللّؤم، والتّكرّم: تكلّف الكرم، قال الشّاعر المتلمّس: تكرّم لتعتاد الجميل فلن ترى ..... أخا كرم إلّا بأن يتكرّما وتطلق صفة الكرم على من كرّم نفسه عن التّدنّس بشيء من مخالفة ربّه. والإكرام: أن يُوصل إلى الإنسان نفعٌ لا تلحقه فيه غضاضة، أو يوصل إليه شيء شريف. وقوله سبحانه وتعالى: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾، أي جعلهم كراما. فائدة: «فذكر أن الضيف مكرمون لإكرام إبراهيم لهم، ولم يذكر استئذانهم ليدل على أنه قد عرف بإكرام الضيفان، مع أنهم قوم منكرون لا يعرفهم فقد ذبح لهم عجلاً واستسمنه، ولم يعلمهم بذلك بل راح: أي ذهب خفية حتى لا يُشعر به، تجاوبًا لضيافة، فدل على أن ذلك كان معدًا عندهم مهيئًا للضيفان، وخدمهم بنفسه، فجاء به ومرّ به إليهم ولم يقربهم إليه، وتلطف مبالغة في الإكرام». 2- الكرم اصطلاحا: قال ابن مسكويه: الكرم إنفاق المال الكثير بسهولة من النّفس فى الأمور الجليلة القدر، الكثيرة النّفع. وقيل: هو التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في المحل، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل. وقيل هو: الإعطاء بالسّهولة. وقيل: الكرم هو إفادة ما ينبغي لا لغرض، فمن يهب المال لغرض جلبا للنّفع، أو خلاصا عن الذّمّ، فليس بكريم. فالكريم من يوصل النّفع بلا عوض. قال الفيرزابادي رحمه الله: والكرم إذا وصف اللّه به فهو اسم لإحسانه وإنعامه، وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه. ثانيا: السخاء لغة: 1- السخاء لغة: يدلّ – كما يقول ابن فارس – على اتّساع في الشّيء وانفراج فيه، وقيل: السّخاوة والسّخاء: الجود والكرم ، والسّخيّ: الجواد. وقيل: السّخاء هو الجود والكرم، ومن ثمّ يكون السّخيّ هو الجواد الكريم. 2- السخاء اصطلاحا: قال الماورديّ – رحمه اللّه تعالى -: حدّ السّخاء: بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل إلى مستحقّه بقدر الطّاقة. وقال ابن حجر – رحمه الله تعالى -: السّخاء: بمعنى الجود، وهو بذل ما يقتنى بغير عوض. وقال الجاحظ: السّخاء بذل المال من غير مسألة ولا استحقاق، وهذا الفعل مستحسن ما لم ينته إلى السّرف والتّبذير؛ فإنّ من بذل جميع ما يملكه لمن لا يستحقّه لم يسمّ سخيّا بل يسمّى مبذّرا مضيّعا. وبتعريف كل من الكرم والسخاء يتبين لنا أنهما درجتان أعلى من الإنفاق، قد تندمجان أحيانا، وقد تفترقان في تعريفهما أحيانا، لذا فقد آثرت عرض هذين الأدبين في موضوع واحد، خشية الإطالة، خاضة وأن كثرا من الكلام فيهما متطابق، وقد سبقنا في ذلك القاضي عياض في الشفاء، إذ قال: «الكرم والجود والسخاء والسماحة معانيها متقاربة، وفرق بعضهم بينها بفروق فجعل الكلام الإنفاق يطيب النفس فيما يعظم خطره ونفعه، وسموه أيضًا حرية وهو ضد النذالة. والسماحة: التجافي عما يستحقه المرء عند غيره بطيب نفس وهو ضد الشكاية، والسخاء: سهولة الإنفاق وتجنب اكتساب ما لا يحمد وهو الجود، وهو ضد التقتير». وكذلك في المصباح: «يقال: جاد الرجل يجود جودًا بالضمّ، تكرّم». وقد جمعهم الدكتور أحمد الحوفي رحمه الله تعالى في كتابه (من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم)، فقال: «الكريم والجود والسخاء: الإنفاق عن رضا فيما يعظم نفعه وخطره، أو بذل المال في سبيل من سبل الخير والبر». ويرى بعضهم أن السخاء فرع للكرم، حيث أصل المحاسن الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام، وسخاؤها بما يملك على الخاص والعام، وجميع خصال الخير من فروعه. أنواع السخاء ودرجاته: قال ابن القيّم – رحمه اللّه تعالى -: إذا كان السّخاء محمودا فمن وقف على حدّه سمّي كريما وكان للحمد مستوجبا، ومن قصّر عنه كان بخيلا وكان للذّمّ مستوجبا. والسّخاء نوعان: فأشرفهما سخاؤك عمّا بيد غيرك، والثّاني سخاؤك ببذل ما في يدك، فقد يكون الرّجل من أسخى النّاس، وهو لا يعطيهم شيئا لأنّه سخا عمّا في أيديهم، وهذا معنى قول بعضهم: السّخاء أن تكون بمالك متبرّعا، وعن مال غيرك متورّعا. وقال ابن قدامة المقدسيّ – رحمه اللّه تعالى -: اعلم أنّ السّخاء والبخل درجات: فأرفع درجات السّخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه. وأشدّ درجات البخل، أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشّهوة فيمنعه منها البخل. فكم بين من يبخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة. فالأخلاق عطايا يضعها الله عز و جل حيث يشاء. وليس بعد الإيثار درجة في السّخاء. وقد أثنى اللّه – تعالى- على أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالإيثار، فقال: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر/ 9)، وكان سبب نزول هذه الآية قصّة أبي طلحة، لمّا آثر ذلك الرّجل الجود بقوته وقوت صبيانه. للسخاء أثرٌ في ستر العيوب، قال الشافعي رحمه الله: وإنْ كثرت عيوبُكَ في البرايا .... وَسرَّك أن يكون لها غطاءُ تَسَتَّرْ بالسخاء فكلُّ عيبٍ ....... يُغَطِّيه كما قيل السخاءُ وقد عبر الله سبحانه وتعالى عن قمة الكرم والسخاء في نفوس المؤمنين بقوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾، يعني في العسر واليسر لا يتركون الإنفاق في كلتا الحالتين في الغنى والفقر والرخاء والشدة ولا في حال فرح وسرور ولا في حال محنة وبلاء. وسواء كان الواحد منهم في عرس أو في حبس فإنهم لا يدعون الإحسان إلى الناس فأول ما ذكر الله من أخلاقهم الموجبة للجنة السخاء لأنه أشق على النفس. وكانت الحاجة إلى إخراج المال في ذلك الوقت أعظم الأحوال للحاجة إليه في مجاهدة الأعداء ومواساة الفقراء من المسلمين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل». مجالات السخاء: الكرم والسخاء ليسا مقتصرين على بذل المال فحسب، بل مفهومهما أوسع، وصورهما أعم وأشمل، ومن صورهما العديدة ما يلي: 1- أن يكون للإنسان دَينٌ على آخر فيطرحه عنه، ويخلي ذمته منه وهو يستطيع الوصول إليه دون عناء ولا تعب. 2- أن يستحق الإنسان أجرًا على عمل، فيترك الأجر من تلقاء نفسه. 3- سعي الإنسان في قضاء حوائج النّاس، وتنفيس كرباتهم. 4- الكرم والسخاوة بالجاه، بحيث يبذل في سبيل الخير والشفاعات الحسنة، من إحقاق الحق، ونصرة مظلوم، وإعانة ضعيف، ومشي مع الرجل إلى ذي سلطان، ونحو ذلك. 5- الكرم والسخاوة بالرياسة، بحيث يحمل الإنسان سخاؤه على امتهان رياسته، والإيثار في سبيل قضاء حاجات الملتمس. 6- كرم الإنسان وسخاؤه براحته وإجمام نفسه؛ فيجود بها تعبًا وكدًّا في مصلحة غيره. 7- سخاوة الإنسان وكرمه بوقته في سبيل نفع النّاس أيًّا كان ذلك النفع. 8- الكرم والسخاء بالنصح والإرشاد. 9- الكرم والسخاء بالعلم وهو أفضل من السخاء بالمال؛ لأنّ العلم أشرف من المال. 10- الكرم والسخاء بالعرض، بحيث يسخو الإنسان بعرضه لمن نال منه، فيعفو ويصفح، وفي هذا السخاء من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه. 11- الكرم والسخاء بالصبر، والاحتمال، والإغضاء، وهي مرتبة شريفة لا يقدر عليها إلاّ أصحاب النفوس الكبار. 12- الكرم والسخاء بالخلق، والبشر، والتبسم، والبشاشة، والبسطة، ومقابلة النّاس بالطلاقة؛ فذلك فوق السخاء بالصبر والاحتمال والعفو، وهذا هو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وهو أثقل ما يوضع في الميزان، وفيه من أنواع المنافع والمسار وأنواع المصالح ما فيه. 13- ويدخل في الكرم والسخاء حضّ النّاس على الخير، وحثهم على الجود والإنفاق. 14- دلالة النّاس على وجوه الخير، وتذكيرهم بطرقه؛ فالدال على الخير كفاعله. 15- شكر الكرام الأسخياء، والدعاء لهم، وتشجيعهم على مزيد من البذل. 16- سخاوة النفس وكرمها بترفعها عن الحسد، وحبّ الاستئثار بخصال الحمد، وهذه الصورة من صور السخاء الخفية الجميلة؛ وذلك بأن يُحبّ المرء لإخوانه ما يحبه لنفسه، فيفتح لهم المجالات، ويعطيهم فرصة للإبداع، والحديث، والمشاركة، ونحو ذلك. ومن ذلك: أن يفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم، فهذه من الصور الخفية للسخاء، وقلّ من يتفطّن بها ويأخذ نفسه بها. 17- سخاء المرء وكرمه عمّا في أيدي النّاس؛ فلا يلتفت إليه، ولا يستشرف له يقلبه، ولا يتعرض له بحاله، ولا لسانه. 18- سخاء المرء وكرمه بنفسه، فذلك أروع ما في السخاء، وأروع ما في ذلك أن يكون في سبيل الله سبحانه وتعالى. من الآثار وأقوال العلماء الواردة في الكرم والسخاء: 1- قال حكيم بن حزام رضي الله عنه: «ما أصبحت صباحا قطّ فرأيت بفنائي طالب حاجة قد ضاق بها ذرعا فقضيتها إلّا كانت من النّعم الّتي أحمد اللّه عليها، ولا أصبحت صباحا لم أر بفنائي طالب حاجة، إلّا كان ذلك من المصائب الّتي أسأل اللّه عز و جل الأجر عليها». 2- قال جويرية بن أسماء: «قطع برجل بالمدينة فقيل له: عليك بحكيم بن حزام، فأتاه وهو في المسجد فذكر له حاجته، فقام معه، فانطلق معه إلى أهله، فلمّا دخل داره رأى غلمانا له يعالجون أداة من أداة الإبل، فرمى إليهم بخرقة معه فقال: استعينوا بهذه على بعض ما تعالجون، ثمّ أمر له براحلة مقتّبة محقّبة، وزادا». 3- قال ابن عمر رضي الله عنهما: «أهدي لرجل رأس شاة، فقال: إنّ أخي وعياله أحوج منّا إلى هذا فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى رجعت إلى الأوّل بعد سبعة». 4- قال أبو هريرة رضي الله عنه: «ما احتذى النّعال ولا انتعل ولا ركب المطايا، ولا لبس الكور، من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب في الجود والكرم». 5- قال عبد اللّه بن جعفر رحمه الله: «أمطر المعروف مطرا، فإن أصاب الكرام كانوا له أهلا، وإن أصاب اللّئام كنت له أهلا». 6- قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «السّخاء: ما كان منه ابتداء، فأمّا ما كان عن مسألة فحياء وتكرّم». 7- وقال أيضا: «البخل جلباب المسكنة وربّما دخل السّخيّ بسخائه الجنّة». 8- وقال رضي الله عنه: «إذا أقبلت عليك الدّنيا فأنفق منها فإنّها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنّها لا تبقى وأنشد يقول: لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة ..... فليس ينقصها التّبذير والسّرف وإن تولّت فأحرى أن تجود بها ...... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف» 9- قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: «إذا مات السّخيّ، قالت الأرض والحفظة: ربّ تجاوز عن عبدك في الدّنيا بسخائه، وإذا مات البخيل قالت: اللّهمّ احجب هذا العبد عن الجنّة كما حجب عبادك عمّا جعلت في يديه من الدّنيا». 10- قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: «سادات النّاس في الدّنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء». 11- روى مالك رحمه الله عن مولاة لعائشة رضي الله عنها: أنّ مسكينا سأل عائشة وهي صائمة، وليس في بيتها إلّا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إيّاه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه. فقالت أعطيه إيّاه. ففعلت، فلمّا أمسينا، أهدى لها أهل بيت أو إنسان – ما كان يهدي لها -: شاة وكفنها فدعتني عائشة، فقالت: كلي من هذا. هذا خير من قرصك. 12- قال محمّد بن عبّاد بن عبّاد بن عبّاد ابن حبيب بن المهلّب رحمه الله: بعث مروان وهو على المدينة ابنه عبد الملك إلى معاوية فدخل عليه فقال: إنّ لنا مالا إلى جنب مالك بموضع كذا وكذا من الحجاز، لا يصلح مالنا إلّا بمالك، ومالك إلّا بمالنا، فإمّا تركت لنا مالك فأصلحنا به مالنا، وإمّا تركنا لك مالنا فأصلحت به مالك، فقال له: يا ابن مروان: إنّي لا أخدع عن القليل ولا يتعاظمني ترك الكثير، وقد تركنا لكم مالنا فأصلحوا به مالكم. 13- قال عروة بن الزّبير رضي الله عنهما: «رأيت عائشة رضي الله عنها تقسّم سبعين ألفا وهي ترقّع ثوبها، وروى أنّها قسّمت في يوم ثمانين ومائة ألف بين النّاس، فلمّا أمست قالت: يا جارية عليّ فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أمّ ذرّة: أما استطعت فيما قسّمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه؟ فقالت: لو ذكّرتني لفعلت». 14- قال الحسن البصري رحمه الله: «السّخاء: أن تجود بمالك في اللّه عز و جل أي في سبيل الله». 15- قال محمّد بن المنكدر رحمه الله: «كان يقال: إذا أراد اللّه بقوم خيرا أمّر عليهم خيارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي سمحائهم». وتتحقق فضيلة الكرم والسخاء حقيقة، حين يلتحم هذا الكريم السخي بالمجتمع، فهو مُتَّصِل بفضائلَ أخرى؛ فهو في أغلب أحواله يأخذ بالعفو، ويتحلّى بالحلم، ويجري في معاملاته على الإنصاف، ويؤدي حقوقَ الناسِ من تلقاء نفسه. ولتجدنّ الكريم السخيَّ بحق متواضعًا، لا يطيش به كبر، ولا تستخفه خيلاء، ولتجدنَّه أقربَ الناس إلى الشجاعة وعزة النفس؛ وإنما يخسر الإنسانُ الشجاعةَ والعزةَ بشدَّة حرصه على متاع الحياة الدنيا. اكتساب الكرم والسخاء: الكرم والسخاء صفتان من الصفات النفسية، قد تكونان جبلة كبقية الجبلات، كما الحسن بن علي رضي الله عنهما: إنا بنو عبد المطلب المجبولون على الكرم والتوسع لمن حوالينا من الأهل والموالى، وقد أصبنا من هذا المال بالخلافة ما صارت لنا به عادة إنفاق وإفضال على الأهل والحاشية، فإن تخليت من هذا الأمر قطعنا العادة. وقد يكونان مكتسبتين، كبقية الصفات الخلقية أنها قابلة للاكتساب، وينبغي على كل مسلم يطمح في الرقي والاقتراب من ربه، أن يحاول اكتساب هذين الصفتين، ففضل الجود والكرم مما يستحق الجهد في طلب الاتصاف به. قال الماوردي: «عن الحكماء سؤدد بلا جود كملك بلا جنود وقال الجود حارس الأعراض ومن جاد ساد ومن أضعف ازداد، وجود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده وخير الأموال ما استرق حرا وخير الأعمال ما استحق شكرا قال الراغب البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود، والبخيل هو الذي يكثر من البخل كالرحيم من الراحم والبخل ضربان بخل بمقتنيات نفسه وبخل بمقتنيات غيره وهو أكثره ذما انتهى وقيل إنما يستحق السيادة من لا يشح ولا يشاحح فلا يصانع ولا يخادع ولا تغيره المطامع وقال الغزالي: البخل منع الواجب والواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والواجب بالمروءة ترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال فمن أدى واجب الشرع وواجب المروءة اللائقة به فقد برئ من البخل لكن لا يتصف بصفة الجود والسخاء ما لم يبذل زيادة على ذلك لطلب الفضيلة ونيل الدرجات».


١٢ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page