top of page
صورة الكاتبAdmin

تاريخ الاندلس والدراسات الاستشراقية الاسبانية - د. صالح العطوان الحيالي


تاريخ الاندلس والدراسات الاستشراقية الاسبانية - د. صالح العطوان الحيالي

------------------------------------------------------------------------ 24.7.2017 يشكل تاريخ المغرب والأندلس حلقة متميزة من حلقات التاريخ العربي الإسلامي، وقد حظيت بعض محطاته بعناية كثير من المؤرخين شرقاً وغرباً. فمن المشرق العربي أذكر على سبيل المثال: عبد الله عنان، إحسان عباس، محمود علي مكي، حسين مؤنس...ومن المغرب العربي الذين اهتموا بذلك: المقري، عبد الله كنون، محمد حجي، إبراهيم حركات، محمد بن شريفة... ومن الغربيين أذكر: كوندي، دوزي، سكوت، لاين بول... كل هؤلاء كتبوا عن تاريخ المغرب والأندلس، وهي بالطبع كتابات تختلف من كاتب لآخر منهجاً وتحليلاً، لكنها تتحد في الحديث عن أنها حضارة، وعقيدة، وعن فكرة إنسانية، وعن تجربة عمرت زمناً، واختلفت اختلافاً جذرياً عمَّا كان سائداً. والسؤال المطروح في بداية هذا المقال: ما الغاية التي نريدها من وراء دراسة تاريخ الأندلس؟ وما الفائدة التي نرجوها من ذلك؟ وما هي نظرة المستشرقين الإسبان لتاريخ الأندلس؟ الحقيقة أن مثل هذه التساؤلات هي التي رسمت ووجهت المسار العلمي للمؤرخ (حسين مؤنس) وكان لها أكبر الأثر في اختياره التخصص في تاريخ الأندلس. فهل دراستنا لهذا التاريخ هي من أجل البكاء على ضياع الأندلس؟ أو كما قال المؤرخ الإسباني (بول برودل): «أنا أعرف أنكم - والكلام موجه هنا للعرب عامة، و لحسين مؤنس خاصة - تحبون القراءة عن الأندلس؛ لأنكم تحبون البكاء عليه، وأنا معكم في أنكم أسديتم إلى إسبانيا خدمات كبرى وقلوبكم كلها حزن عليه، ولكن الحزن لا مكان له في العلم؛ فإذا كنت سترضى بالتخصص في الأندلس فأرجوك ألا يكون ذلك تخصصاً في البكاء». لذا وجبت دراسة تاريخ الأندلس بروح المؤرخ المتجردة عن العواطف الإيجابية أو السلبية لضمان دراسة موضوعية وعلمية نزيهة؛ فالمؤرخ يجب أن يكون كالطبيب الجراح في عمله؛ لأن الطبيب الناجح لا بد أن يجد لذة في الجراحات، ولا بد أن يستمتع بالقطع والدخول في الجراح، ولكنه كإنسان لا يمكن أن يحب هذا العمل. وتبقى الغاية الأساسية من دراسة هذا التاريخ بالإضافة إلى توخي الموضوعية والعلمية المذكور آنفاً، أنها عبرة مهمة للاتعاظ؛ فهي تقدم لنا قصة طويلة ممزوجة من تقلُّب المصائر والحظوظ، تتناوبها صور متباينة من القوة والعظمة، والضعف والانحلال، والاتحاد والتفرق، والنعماء والضراء، ولكن يميزها دائماً ذلك الطابع الحضاري المؤثر، الذي جعل من الأندلس المسلمة، أمة نموذجية عبقرية، تتفوق على سائر أمم العصر بعلومها وفنونها، والتي استطاعت بها تحويل القفار الإسبانية الموحشة إلى حدائق مزهرة وحقول غناء، بهرت بها الجيران في شبه الجزيرة من الممالك النصرانية، كما بهرت أمم الفرنج الأوروبية، التي كانت تتخبط في موجات من الجهالة والتأخر. الاستشراق في اللغة والاصطلاح: أ- الاستشراق لغة: الاستشراق لفظة لم ترد في المعاجم العربية المختلفة، (أتحدث هنا عن المصادر) مثل لسان العرب لابن منظور أو القاموس المحيط للفيروز آبادي . ولكن يمكن تفكيك اللفظة؛ فهي مشتقة من الشرق، وهي تعني مشرق الشمس وترمز إلى هذا الحيز المكاني من الكون.. أما إذا أضيف إليها الألف والسين والتاء (أي الاستشراق) فهي تعني طلب الشرق، أي علوم الشرق وآدابه وأديانه بصورة شاملة؛ هذا في معاجم اللغة العربية. أما في اللغات الغربية فهناك من يرى أن المقصود بالشرق ليس الشرق الجغرافي، وإنما الشرق المقترن بمعنى الشروق والضياء والنور . ب - أما في الاصطلاح، فأود الإشارة في البداية إلى أنني سأتوقف عند نماذج لتعريفات معينة، ولن أدخل في تفاصيل ما قدم من تعريفات وخلافات حول المفهوم، تكاد تتعدد باختلاف الباحثين في هذا المجال، ويمكن للباحث تصفح الدراسات التي كتبت حول الموضوع ليتبين له كثرتها وتعددها، ولذا آثرت ذكر تعريفين هما: الأول: أكاديمي صرف، وهو التعريف الذي قدمه (أحمد سمايلوفتش) حيث قال: «علم الشرق أو علم العالم الشرقي. ويشمل كل ما يتعلق بمعارف الشرق من لغة وآداب وتاريخ وآثار وفن وفلسفة». الثاني: تعريف رحب واسع، أطلقه إدوارد سعيد: «الاستشراق هو أسلوب في التفكير قوامه التمييز الوجودي والمعرفي بين غرب قادر على معرفة نفسه، وشرق عاجز عن معرفة ذاته، وقابل لمعرفة الغرب لها» . وأوضح أنور عبد الملك في دراسته الرائدة «الاستشراق في أزمة» (1963) أن المشكلة في التخصص الاستشراقي مزدوجة: هناك أولاً: النقد الاستعماري الذي يعتبر الاستشراق بطرائقه الفيلولوجية والتاريخانية من مواريث عصر الاستعمار. وهناك ثانياً: النقد العلمي الذي يعتبر أن الاستشراق لم يفد من الثورة الحاصلة في العلوم الاجتماعية والتاريخية. وجاءت دراسة إدوارد سعيد عام 1978 التي أثبتت (أو أقنعت بذلك) أن الاستشراق تخصص استعماري، أي انه نشأ في حضن الاستعمار، ونقل أطروحاته، أو أنه حشر الإسلام والشرق في صورة أشبعت وتُشبع طموحات الغرب ومطامعه في استعمار واستمرار امتلاك الإسلام والعالم الإسلامي . لا بد من الإشارة في البداية ولو في عجالة للدوافع الأساسية لهذه الظاهرة، ويمكن إجمالها في ثلاثة أمور أساسية وهي: 1 - دوافع دينية تنصيرية. 2 - دوافع سياسية استعمارية. 3 - دوافع علمية صرفة. المدرسة الاستشراقية الإسبانية: إن غياب الأندلس عن ذاكرة الإنسان العربي، بعد سقوطها في أيدي الإسبان صاحَبَهُ حضور قوي للأندلس والأندلسيين في واقع الأمة الإسبانية، التي تشكّلت في شبه الجزيرة الأيبيرية عقب سقوط غرناطة. وهكذا نشط الاستشراق الإسباني، منذ مطالع القرن التاسع عشر، وظهر التراث الأندلسي لأوائل المستشرقين الإسبان «كنزاً» ثميناً، فأقبلوا عليه جيلاً بعد جيل، يدرسونه ويقوِّمونه، مقدرين ما ينطوي عليه من الإبداع والمعارف والعلوم. فعدُّوا المخطوطات الأندلسية تراثاً لهم، ولذا أخذوا في ترجمة بعضها إلى الإسبانية ودراستها، والاستفادة من مادّتها الغزيرة، الأدبية والعلمية، مثل تآليف (ابن الفرضي) و (ابن بشكوال) و (الضبّي) و (ابن الأبّار). وقد نشأ الاستشراق الإسباني في أحضان حركة عدائية لكل ما هو عربي ومسلم، وكان هدفها التحقير والانتقام والتشويه، وقد وصف المستعرب الإسباني (خوان غويتسولو) في كتابه (في الاستشراق الإسباني)(5) نماذج من هذا النوع حين يكتبون عن الإسلام والمسلمين بقوله: «إنهم إنما يكتبون ويتصرفون وينطقون باسم المسيحية في مواجهة حضارة متدنية، وفي أفضل الأحوال فإن استحضار الماضي المجيد الذي عرفه العالم الإسلامي يدفعهم إلى التفجُّع على نحوٍ متحذلق على الانحطاط الحالي (الذي كان في رأيهــم محتــماً ولا مناص منه) وعلى عجزه الطبيعي عن هضم التقدم الأوروبي». ووصف (غويتسولو) دراسات المستشرقين الأسبان للغات الإسلامية بأنهم يدرسونها كما لو كانت «لغات حضارات منقرضة، ومقطوعة عن اللغات الحالية التي هي وريثها الشرعي، حاكمين عليها بذلك أنها تشكل عدماً أو ما هو أقل من العدم». واختلط الدافع الديني الحاقد بدافع استعماري سياسي حينما بدأت حركات الاحتلال الأوروبي للعالم الإسلامي وطمعت إسبانيا في المناطق المجاورة لها، فجندت مستشرقيها لإعداد الدراسات لمعرفة مواصفات السكان وطبائعهم وتجارتهم وزراعتهم، وكذلك معرفة اللغات واللهجات المحلية، وقد أنشأت الحكومة الأسبانية العديد من المراكز لتعليم العربية والعامية المغربية، وقد تجاوزت الخمسين مدرسة. وما تزال إسبانيا تحتفظ بالكثير من المخطوطات العربية في مكتباتها الكبرى كمكتبة الأسكوريال، ومكتبة مدريد الوطنية، ومكتبة جمعية الأبحاث الوطنية. أياً كانت ميول المستشرقين الإسبان وفئاتهم، فإنها تنطلق من موقف ديني نصراني موحد هو عدم الاعتراف الكامل بمساهمة الحضارة الإسلامية الأندلسية في النهضة الأوروبية. والمستشرقون الإسبان اعتزّوا بالتراث الأندلسي الباقي في بلادهم، وجعلوه (إسبانيّاً دماً)، مُغْفِلين، أو متجاهلين أنه (إسلاميُّ الروح) . منطلقات الدراسات الاستشراقية الإسبانية: 1- التحليل العرقي: عندما انطلقت الأيديولوجيات التي كانت سائدة في أوروبا لتناول مجموعة من المواضيع، ومن بينها: العمارة، المدينة... كان دائماً المعتمد أو السند هو البحث عن الأصل الإغريقي الروماني؛ فنجد على سبيل المثال (كلوديو سانشيز) يحلل المجتمع الأندلسي بتحليل عرقي منطلقاً من دعوى مفادها أن التركيبة السكانية في الفتوحات الإسلامية الأولى كانت قليلة من حيث العدد، وهذه القلة العددية لم تستطع أن تؤثر الأثر الكبير في السلالة الإسبانية التي كانت كبيرة وواسعة الانتشار، وقد قاد هذا التعصــب إلى حــد اعتبارهم عمالقةَ الفكر الأندلسي كـ (ابن حزم) وغيره إسبانيين؛ لأن الإسلام - في نظرهم - دين شبقي عاجز عن إنتاج مثل أولئك العمالقة، وحتى (ابن الحاج القرطبي) واضع أكبر ناعورة في فاس أرجعوا ذكاءه وألمعيته إلى تكوينه في وسط أسرة مسيحية، رغم أنه كان من الفقهاء الذين خلَّفوا ثروة علمية هامة. 2 - الدراسات الاستشراقية الإسبانية تتحدث بالأساس حول استبداد الشرق وعدم استقلاله وهذا النمط من التحليل ساد في معظم الدراسات. 3 - قضية إلغاء الفرد أو الفردية، وهي ظاهرة موجودة في جل الدراسات الاستشراقية، ومفاد هذه النظرة التركيز على بعض القبائل التي كان لها القدرة على التسيير الذاتي، وهو أمر استعمل في تحليل جل المجتمعات، ومثال ذلك التركيز على المجتمع المغربي من خلال إبراز الفسيفساء الاجتماعية التي كانت عائقاً أمام الوحدة السياسية، في بعض الفترات التاريخية. وجدير بالذكر أن هذه المنطلقات التي تحكمت في الدراسات الاستشراقية الإسبانية، هدفت بالأساس إلى ترسيخ مجموعة من المفاهيم في ذهن المتلقي، من بينها: أن الوجود الإسلامي في الأندلس كان بمنزلة وجودٍ كارثي، لكن سرعان ما امَّحى مع حروب الاسترداد بالأندلس. أن قيم الجد والنبوغ في العطاءات الأندلسية لا يمكن فهمها إلا بالدم الإسباني؛ فـ (ابن القوطية) مثلاً في نظرهم كان مرتبطاً بالفكر الهلِّيني. و (ابن حزم) في كتابه (طوق الحمامة) كان من المتأثرين بالروح المسيحية أكثر من تأثره بالروح الإسلامية؛ لأن الروح الإسلامية في نظرهم روح عاجزة عن إبداع مثل تلك الأحاسيس الجياشة. تميز المسلمين باللاعقلانية، وبعقيدة جبرية، وبشبقية حيوانية: للمدرسة الاستشراقية الإسبانية خصوصيات، منها أن المستشرق الأسباني (ميكال بارسو) يرى أنه لا يمكن إدراج الدراسات الإسبانية ضمن الكم الهائل من الدراسات الاستشراقية؛ فقد تم تقدير حوالي 62 ألف عنوان أنجز ما بين 1800م -1950م، كان فقط حـول الإســلام والمسلــمين. لــكن لا يمكن الوقوف على خصوصيات الدراسات الاستشراقية الإسبانية إلا من خلال معرفة المحيط السياسي المؤثر فيها، ومنه تقسيم هذا الخطاب إلى ما يلي: 1 - هناك خطاب رجعي عدمي تعود جذوره إلى مرحلة طرد (المورسكيين)، ويهدف هذا الخطاب إلى محاولة محو الوجود الثقافي للعرب والمسلمين في الأندلس. 2 - وفي المقابل هناك خطاب ليبرالي متعاطف مع (المورسكيين) من قِبَل طبقة تقليدية محافظة ومن أمثالها (كوندي) و (سافيدرا). 3 - وهناك أيضاً خطاب مدافع ومنافح عن الثقافة العربية الإسلامية في الأندلس، ومن هؤلاء أذكر على سبيل المثال: (أمريكو كاسترو) الذي أكد في غير ما مرة على الخصوصية الثقافية الإسلامية ومساهمتها في تاريخ الأندلس، ودافع عن الحضور الإيجابي للمسلمين في تاريخ الأندلس. ومن الباحثين من قَسَّم رواد المدرسة الاستشراقية الإسبانية إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ مغرضين: ونموذج هذه الفئة المستشرق (كلاوديو سانشيث البرنوث) وله كتابان: (إسبانيا الإسلامية)، (إسبانيا الإسلامية والغرب). 2 ـ معتدلين... ولكن: ونموذج هذه الفئة المستشرق (إميليو جاريا جومث). 3 ـ منصفين: وتتكون من مجموعة من الشبان الذين تخلصوا من كابوس محاكم التفتيش ومن عقدة نقاوة الدم. ففي المجال الأدبي نذكر: (خوان غويتسولو)، (أنطونيو غالا)، (أنطونيو مونيوز مولينا)، (رامون مايراتا) في روايته: (علي باي العباسي) . لكن رغم اتصاف هؤلاء بالإنصاف (ونموذج ذلك غالا) نجد الصورة التي رُسمت بها الشخصية الإسلامية في روايته (المخطوط القرمزي) كانت صورة سلبية جداً؛ فهي تمثل أخلاقيات ومعايير مجد زائل؛ وذلك في مقابل الشخصيات المسيحية التي تمثل إرهاصات مُلك في طريقه إلى الوقوف على قدميه، وإن كان ذلك يستند إلى دعائم واهية . و «الوله التركي» لا يقل سلبية في وصفه للمرأة المسلمة، (والصورتان السابقتان لغلاف الروايتين). خاتمة: إن كل الدراسات التي درست الظاهرة الاستشراقية، كانت ذات رؤية قاصرة لم تتجاوز عتبة الوصف والتجميع المعجمي ذي الطابع المدرسي، ولم تَرْقَ إلى مجال التحليل والنقد العلميين، فبقيت سجينة رؤية تقريظية تسجل للمستشرقين ما لهم وما عليهم . ومنها دراسات انخرطت في بلورة استنساخ ردود فعل انفعالية ومتشنجة، اكتفت برد مجموع الجهد الاستشراقي إلى أهواء ورغبات المستشرقين وميولهم المتربصة بالإسلام والعرب، انطلاقاً من مواقف وميول واضحة . وعليه؛ فإن معالجة إشكالية الاستشراق في مختلف دراساته، يجب أن تتم بعيداً عن تناول أغراض ونوايا وميول المستشرقين، والابتعاد في الوقت نفسه عن الانزواء داخل منهجية الانتماء الملي العقدي؛ لأن الهدف الأساس هو النفاذ إلى إشكالية الاستشراق والحفر في مكوناتها، وآلياتها التي تسمح بوجودها؛ وبهذا يستطيع الباحث الوصول إلى الخيط الناظم، ويقف على المنطلقات الأساسية لهذه الدراسات. وجدير بالذكر أن هذه العملية دشنها (سالم يفوت) في كتابه: (حفريات الاستشراق: في نقد العقل الاستشراقي).


١٠ مشاهدات٠ تعليق
bottom of page