اشنونا سبقت حمورابي في تشريع القوانين - د. صالح العطوان الحيالي
------------------------------------------------------------------
تاريخنا شاهد على حضارتنا "مملكة اشنونا سبقت حمورابي في تشريع القوانين" في محافظة ديالى .. هناك تلال مبعثرة تتفيأ بحرارة الشمس وتستظل بضوء القمر .. هي بقايا مملكة اشنونا .. جلال صمتها يوحي بصورة جلية عما احتوته من كنوز ثمينة.. مكتبات عامرة برقم طينية فيها من المعادلات الجبرية والنظريات الهندسية ما سبقت فيثاغورس وإقليدس بألف عام على الأقل .. ! ومن القوانين والشرائع فيها ما سبقت شريعة حمو رابي ..سياحتنا هذه في المواقع الأثرية قالت لنا الكثير .. وقبل هذه السياحة، لا بدّ من المرور بالتاريخ القريب .. إلى الإعلان عن اكتشاف (اشنونا)، حيث أعلن أمين المتحف العراقي الأستاذ طه باقر عام 1945 نبأ اكتشاف لوحين مدونين لشريعة تدعى بـ «قوانين اشنونا»، وقد دونت باللغة السامية البابلية في موقع «تل حرمل»، أما تاريخ هذه القوانين فهو غير معروف بشكل أكيد، إلا انه يسبق شريعة حمو رابي بقرن ونصف القرن، وعدد موادها ( 61) مادة، وقد ابتدأت بتحديد الأسعار ..ومن الغريب أن تبدأ بذلك، حيث لم نجد في بقية الشرائع مثلها. وهذه الظاهرة في الواقع تدفعنا إلى القول بأن هذه الشريعة قد صيغت وعرضت بأسلوب لم يتأثر إطلاقا بالأسلوب الذي عرضت به الشرائع التي سبقتها، وقد شملت موادها العشر الأولى الأجور اليومية للعمال، وأجور استخدام السفينة والقارب والدولاب، والفوائد السنوية للقروض، وصلاحيات المحاكم .. وأن عقوبة الموت (الإعدام ) لا تتم الا بموافقة الملك . سميت ( اشنونا ) ( تل اسمر الآن ) نسبةً إلى عاصمتها، حيث ازدهرت في هذه المنطقة حضارة وادي الرافدين منذ أواخر العصر ( الحجري المعدني ) وقد شملت الأراضي الخصبة بين مثلث دجلة وديالى وسفوح مرتفعات ( زاجروس ) شرقاً وتعد من الدويلات المهمة في العصر البابلي القديم. و قد جاورت دولة اشنونا بلاد عيلام وبلاد آشور وبلاد أكد، مما جعلها ذات أهمية خاصة في تاريخ حضارة وادي الرافدين. بالإضافة إلى تأثرها الحضاري والاقتصادي بالجهات الشمالية الشرقية وببلاد سومر وأكد من الجنوب . حيث التقت حضارة وادي الرافدين بالتأثيرات الثقافية الآتية من الجهات الأخرى، لذا تميزت حضارة هذه المملكة بخصائص محلية، إضافة إلى طابع حضارة وادي الرافدين العامة ..و من الخصائص المحلية أسماء بعض الآلهة وأسماء ملوكها وحكامها ولاسيما في فترة العهد البابلي القديم، فبعضها أسماء سامية، وبعضها من أصول عيلامية حورية . وكانت مملكة اشنونا تابعة إلى ملوك الدولة الاكدية، ثم من بعد فترة الحكم الكوتي إلى ملوك سلالة أور الثالثة. عن مملكة ( اشنونا )، وتحديد مساحتها، وخصائص حضارتها، يقول الدكتور دوني جورج الاختصاصي في التاريخ القديم : جاورت مملكة اشنونا حضارات أخرى منها بلاد عيلام وبلاد آشور ومملكة ماري، فكيف استطاعت الحفاظ على خصائص الحضارة السومرية ؟ عندما تنظر الى خارطة العالم .. لابد ان تتوقف وتتمعن في جزء منها وهي ارض العراق مازالت هذه الارض تخبى في ماضيها اسرار العالم وإسرار حضارة عريقة تركت لنا جماً من الثقافة والآثار والدويلات والقوانين وأشياء لاتعد ولا تحصى في ارض سحر بلاد الرافدين العريقة اشنونا مملكة ودويلة قامت في ارض العراق في محافظة ديالى التي تبعد عن مدينة شمال شرقي بغداد 35كم حيث هناك بقايا وأكوام من التلول المبعثرة يسطوا ضوء الشمس عليها وتزهوا النجوم ببريقها ليحكي لنا لليل عن قصص وملاحم هذه المملكة التي ظلت أوجاً ينير التاريخ . عندما تصفحت أوراق التاريخ لكي ابحث عن أسرار هذه المملكة ولكي اسطر الحروف والكلمات عن حضارة استوطنت بلاد النهرين قامت مابين نهر دجلة وديالى وسفوح جبال زغورس الشرقية سنة (2028 ق.م) سميت اشنونا بهذا الاسم نسبتاً الى عاصمتها (اشنونا) التي تعرف (تل اسمر) وهو اكبر التلول الأثرية الموجود في المنطقة وذهب بعض الباحثين ان أصل اسم اشنونا مشتق من (اشنون) الذي يرجع الى اشتقاق شعبي سومري بمعنى (هيكل الامير) تأسست مملكة (اشنونا) بعد نهاية سلسلة أور الثالثة على يد الاموريين عادت البلاد الى دويلات بعد ان كانت مجتمعة بدولة واحدة حيث أطلق على هذا العصر البابلي القديم وهي الفترة الواقعة مابين نهاية سلالة اور الثالثة ونهاية سلالة بابل الاولى ، حيث انقسمت بلاد الرافدين إلى مجموعة من دويلات المدن في عصر يسمى بعصر ايسن – لارسا ( 2025 – 3671 ق – م) هذا ما عبر عنه الدكتور دوني مملكة اشنونا اسسها الاموريين الذي دخلوا وادي الرافدين خلال الالف الثاني قبل الميلاد واشهر مدن هذه المملكة تل حرمل وخفاجي ، وتل الضباعي ، وبلغت في الفترة الأولى من نشوئها مستوى ملحوظا من الازدهار السياسي والاقتصادي، واشهر حكامها (ايليشو ايليا ) و(كيريكيري ) وابنه(بلا لاما)،الذي شيد المدينة الجديدة المعروفة ب(توتب) وقوى تحصينات العاصمة وحلت من بعد حكمه في تاريخ مملكة أشنونا فترة ضعف لا يعرف مقدار طولها، كانت فيها مرة تحت نفوذ دويلة (أيسن) ومرة أخرى تحت سلطة( كيش) وفيما بعد خضعت لنفوذ الآشوريين إلى أن سقطت في أيدي الدولة البابلية الأولى في عهد الملك حمورابي حصل معهد الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو على امتياز للتنقيب في هذه المنطقة ودعى جيمس هنري برستد (1865–1935)، مؤسس المعهد، عالم الآثار الهولندي هنري فرانكفورت (1897–1954) لقيادة الحملة. وبين عامي 1930 و1937 قاد فرانكفورت وفريقه عمليات تنقيب أفقية ورأسية على أربعة تلال: خفاجة وتل أسمر وتل العقارب وإشجالي. وكشفوا عن وجود معابد وقصور ومبان إدارية ومنازل يتراوح تاريخها من حوالي عام 3100 إلى 1750 قبل الميلاد. وقد عززت المئات من القطع الأثرية التي تم استعادتها من تحت أنقاض هذه الهياكل المدنية القديمة فهم تاريخ فترة الأسرات الأولى بشكل كبير وتعد التماثيل الاثني عشر من بين الأشياء المعروفة جيدًا والمحفوطة جيدًا والمعروفة مجتمعة باسم كنز تل أسمر. تم العثور على هذا الكنز خلال موسم التنقيب 1933-34 في تل أسمر تحت أرضية معبد مخصص للإله أبو. وكانت التماثيل متجمعة بعناية في تجويف مستطيل بجوار مذبح في المعبد وقد عثرت بعثات التنقيب الأثرية في تل حرمل ( شادويوم ) القديمة الواقع في ضواحي بغداد الآن، والذي يعود إلى مملكة اشنونا، حيث كانت هذه المدينة محاطة بسور منيع، وفي الوسط معبد كبير تحفّ به بيوت السكن وبعض المباني التي كانت مراكز دراسية علمية مهمة . كانت هذه المدينة عبارة عن معهد علمي كبير عثر فيه على أكثر من ثلاثة آلاف رقيم طيني مكتوب بالمسمارية، وآثار كثيرة أخرى، احتوت تلك الرقم على قوائم بأسماء المدن والجبال والأشجار والحيوانات، ومعاجم باللغة السومرية والاكدية، واهمها قاطبة كانت الرقيم التي احتوت على المسائل الرياضية والجبرية والهندسية، وفيها الرقيم المعروف الذي احتوى على النظرية الهندسية التي عرفت فيما بعد بـ «نظرية فيثاغورس»، وأخرى بنظرية «اقليدس» في حل المسائل الهندسية بالطرق الجبرية، وهي جميعاً اقدم من فيثاغورس واقليدس بألف عام على الأقل كما عثر في هذا الموقع على رقيم الطين الرياضية التي احتوت على المتواليات العددية بارقام كبيرة جداً. وعثر كذلك في هذه المدينة على رقيم احتوى على قوانين مهمة جداً عرفت(قوانين مملكة اشنونا) التي سبقت قوانين حمورابي بنحو قرن ونصف قرن من السنين..دخلت اشنونا تحت السيطرة البابلية وحاول حكامها التخلص من تلك السيطرة دون جدوى وكان اخر حكامها ايلوني الذي تمرد على بابل وأعلن استقلاله ولقب نفسه ملكاً عليها ولكن فشل بذلك وجاء الرد سريعاً وأخذه اسيراً إلى بابل في زمن ملكها سمسو ايلونا عام 1726ق.م لتنتهي اشنونا تحت حكم السيطرة البابلية وختاماً يؤكد الاثاريون أن كنوزاً أثرية ما زالت تتوسد ثرى ارض ما بين النهرين .. وأن ما اكتشف منها حتى الآن لا يشكل إلا نسبة قليلة جداً .. وهو تأكيد على عمق وأصالة حضارة العراق.
----------------------------------------------------
د. صالح العطوان الحيالي 13-7-2017