هذه أمي - د.صالح العطوان الحيالي
---------------------------------
قصة من الواقع " مسكت يد أمها بقوة فى ساحة المدرسة وأخذت تعرفها على صديقاتها ومعلماتها و كلها فخر وإعتزاز أنها أمها الغالية " ---------------------------------- فى يوم من الأيام عادت حنان من مدرستها حزينة وفى يدها ورقة دعوة لمجلس الأمهات بالمدرسة، مزقتها وهي فى طريقها إلى منزلها، فلا داعى أن تريها لأمها، فهى أصلا لا تقرأ، ولا داعى أن تجعلها تحضر المجلس فهي تخجل من أن تعرفها على صديقاتها ومعلماتها فى المدرسة وهى مجرد ربة منزل جاهلة غير مثقفة، قطعت الدعوة ورمتها فى الشارع والألم يمزق صدرها. فمنذ دخولها هذة المدرسة وهي تحاول بكل الطرق الممكنة أن تمنع صديقتها من لقاء أمها أو رؤيتها حتى ولو بالصدفة، ولكن اليوم التحدى أصعب بالنسبة لها، فقد فازت بمركز الطالبة المثالية على مستوى المدرسة، وهذة هى المرة الأولى التى يتم تكريمها فيها فى حفل الأمهات، تمنت بالفعل من داخلىها أن تحضر أمها وتشاركها تكريمها وفرحتها، ولكن ليست أمىها هذة، تمنيت أم أخرى، أم جميلة ومثقفة ومتعلمة،تفتخر بها أمام صديقاتها ومعلماتها، ولكن أمها لا تريدها أن، تحضر بالتأكيد . دخلت البيت والأفكار مازالت عالقة بذهنها، وكانت شاردة فسألتها أمها بعطف ما بك يا بنيتى هل أزعجك شئ اليوم فى المدرسة ؟ شعرت برغبة شديدة فى البكاء، كادت أن تصرخ فى وجه امها وتقول لها هي من يزعجنى وجودها .. أنتى مشكلتي الكبيرة فى هذة الحياة، ولكنى فضلت الصمت وأجابتها لاشئ يا أمى فقط أنا متعبة قليلاً من الدراسة، فقالت لى أمىها حسناً إرتاحى فى غرفتك وأنا سأحضر لك الغذاء، شكرتها ورفضت الطعام، توجهت فوراً إلى غرفتها غيرت ملابسىها وتوضأت وأديت صلاتها وجلست على سريرها تفكر .. نظرت حولها وجدت غرفتها نظيفة ومعطرة بأجمل عطر، إنه العطر الذى تعلم أمها إنها تحبة، مسكينة أمها أنها تتعب كثيراً من أجلها، فعلى الرغم من كبر سنها وتعبها إلا أنها تنظف غرفتها كل يوم وتحضر لها الطعام وتغسل ملابسها دون تعب أو ملل أو حتى شكوى، شعرت بصراع داخلها، صوت بداخلها يقول أمك حبيبتك تتعب من أجلك تفعل كل ما هو خير لك، وصوت آخر يقول هي تخجل منها فهى جاهلة وغير مثقفة ولا يمكنها أن تجعل معلماتها تقابلها، فهى مثيرة للسخرية، إنظرى لطريقة كلامها ولبسها، كيف سترينها صديقاتك وهى على هذة الحالة وكل أمهاتهن على قدر عظيم من العلم والأناقة والثقافة، بالتأكيد سيسخرن منها ومنك وهذا ما كانت تحاول تجنبة كل تلك السنين الماضية . وفى صباح اليوم التالى ذهبت إلى المدرسة وقد قررت بداخلها أن لا تخبر أمها عن الحفل، قابلت صديقتها نورة وكان يبدو عليها الحزن، سألتها عن ما يحزنها فأخذت تحكى لى وجعها وما يحزنها، تقول أن أمها قاسية جداً لا تراها ولا تكلمها إلا نادراً فهى كثيرة المشاغل ودائما ما تفضل أشغالها ومكانتها الإجتماعي على إبنتها، لا تجلس معها ولا تتحدث إليها، وإذا جاءت إلى المنزل تدخل بوجه عابس غاضب دائماً، تعجبت من كلام صديقتى وسألتها كيف لا تريها، فأجابتنى أنها تعمل وتقضى كل اليوم فى حضور المناسبات الإجتماعية الهامة أو الذهاب للنادى وتعود ليلاَ إلى المنزل متعبة تنام على الفور، ودائماً ما تكون متعبة ومتوترة لا تستمع إلى ولا تسألنى عن حالى. وأخذت صديقتها تبكى وهى تكمل حكايتها قائلا أنها بالأمس تشاجرت مع أمها فقالت لها أمها أنها لا تحبها وتكرهها وتتمنى ألا تراها أمامها مرة آخرى، حتى تتمنى أن تموت هى وأخواتها لترتاح من هذا الهم . أصابتها صدمة شديدة وهي تستمع إلى حكاية صديقتها، توقفت عن الإستماع إلى صوت صديقتها رغماً عنها، وأخذ يجول بداخلها خيال أمها وكل معاناتها وتحملها من أجلها، حنانها وشوقها إلى كل يوم وهي عائدة من المدرسة تسألها عن حالىها وشكوتها وتستمع إليها، لا تريد إلا أن أكون دائما بخير وسعادة، أخذت أقارنها بوالدة نورة المثقفة الأنيقة، هذة المرة بالتأكيد رجحت كفة أمها الأم الحنونة العطوفة التى منحتىها كل شئ وأغلى شئ لا يشترى وهو الحب. وفى يوم مجلس الأمهات مسكت يد أمها بقوة فى ساحة المدرسة وأخذت تعرفها على صديقاتها ومعلماتها وكلها فخر وإعتزاز أنها أمىها الغالية ، هى أمراة بسيطة وغير متمدنة ولكنها فى نظرها أعظم وأشرف أم فى الوجود .. يكفى أنها أمها وكفى ...
---------------------------------------------------
د.صالح العطوان الحيالي
15-7-2017