المُعنَّى بن حارثة الشيباني - د. صالح العطوان الحيالي
-----------------------------------------------------------
قادة منسيون "المُعنَّى بن حارثة الشيباني " واسهاماته في انتصارات الاسلام -
-------------------------------------------------------------------------------- لم اخطأٍ في العنوان، فإنا لا اقصد المثنى بن حارثة الشيباني، وإنما اقصد أخاه، فهو الآخر من القادة الشجعان الذين أسهموا بشكل فاعل في انتصار الإسلام وانتشاره في العراق وبلاد فارس، إلا أن من المؤسف أن المُعنَّى لم يأخذ نصيبه من الشهرة، بالرغم من جهاده الطويل مع أخيه في الفتوح الإسلامية. قبيلته ــ بنو شيبان بطن من بكر بن وائل كبرى قبائل ربيعة بن نزار، كانوا يسكنون الأطراف الجنوبية الغربية من العراق، وكانت من القبائل الكبيرة الممارسة للحروب حرب البسوس، ومعركة ذي قار. وقد عرض النبي (ص) في أحد المواسم عليهم حمايته، حيث كان العرب يحجون الى مكة، فالتقى|بسادة بني شيبان، وفيهم المثنى بن حارثة، فأجابه المثنى بكل احترام: ((قد سمعت مقالتك يا أخا قريش... وإنا إنما نزلنا بين ضرتي اليمامة والشامة، فقال رسول الله(ص) : ما هاتان الضرتان؟ فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما تكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله(ص) : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه...)) . وفي السنة التاسعة للهجرة أرسلت بنو شيبان وفدا الى النبي (ص) يعلنون فيه إسلامهم ، ثم كان لبني شيبان دور بارز في فتوح العراق. أسرته ـــ المعنى من أسرة عريقة النسب، فأخوه الأكبر المثنى بن حارثة الشيباني الممهد الحقيقي لفتوح العراق، وأخوه الآخر مسعود بن حارثة كان من القادة أيضا، وكان المثنى يجعل أخاه المعنى على الخيل في الحروب، ومسعودا على الرجالة، فاستشهد مسعود في واقعة البويب، وأما المثنى فمات في شراف بعد إصابته في معركة الجسر. المُعنى ودوره في الفتوح ــــ حضر المعنى كل المعارك التي خاضها أخوه المثنى في الفتوح، وهي تعد بالعشرات كمعركة الجسر والبويب وأُليس ويوم سوق الخنافس (قرب بغداد) والحيرة وغيرها، إلا أن ما يؤسف له أن المؤرخين أهملوا ذكر المعنى في الكثير منها، وإليكم بعض تلك المعارك التي كان للمعنى فيها صولة ودور. 1 - فتح حصن المرأة ـــ حصن المرأة، حصن قرب البصرة لامرأة تدعى كامورزاد، وسمي الحصن باسمها لأن أبا موسى الأشعري نزل بها فزودته خبيصا وهو نوع من الطعام فجعل يقول: أطعمونا من خبيص المرأة فسمي حصنها بذلك ذكر الطبري:2 /556 ، متحدثا عن معارك المثنى في البصرة: ((وخرج المثنى حتى انتهى إلى نهر المرأة، فانتهى إلى الحصن الذي فيه المرأة، فخلف المعنى بن حارثة عليه فحاصرها في قصرها، ومضى المثنى إلى الرجل فحاصره، ثم استنزلهم عنوة فقتلهم واستفاء أموالهم، ولما بلغ ذلك المرأة صالحت المثنى، وأسلمت فتزوجها المعنى)) 2 - معركة المذار ـــ بعد الخسائر التي مني بها الساسانيون في البصرة في السنة المذكورة، كتب قائدهم هرمز الى الملك أردشير يستمده، فأمده بالجيوش فعسكروا بالمذار، وكتب المثنى والمعنى الى خالد بن الوليد بالأمر، فجاء بمن معه من المقاتلين، فوجد المثنى ومن معه على تعبئة واستعداد للحرب، ونشب القتال فقتل من المشركين مقتلة عظيمة وانهزم الباقون. 3 - معركة بابل ذكربن الأثير في الكامل:2 /4155: ((وأما المثنى فإنه لما ودع خالد بن الوليد، وسار خالد إلى الشام فيمن معه بالجند، أقام بالحيرة، ووضع المسلحة، وأذكى العيون، واستقام أمر فارس بعد مسير خالد من الحيرة بقليل، وذلك سنة ثلاث عشرة على شهربراز بن أردشير ملكا جديدا فوجه إلى المثنى جندا عظيما عليهم هرمز جاذويه في عشرة آلاف، فخرج المثنى من الحيرة نحوه، وعلى مجنبتيه المعنى ومسعود أخواه فأقام ببابل، وأقبل هرمز نحوه.... فالتقى المثنى وهرمز ببابل فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا على الطريق الأول، قتالا شديدا؛ وكان فيلهم يفرق المسلمين، فانتدب له المثنى ومعه ناس فقتلوه وانهزم الفرس، وتبعهم المسلمون إلى المدائن يقتلونهم)) 4- معركة البويب ــ هي آخر معركة قادها المثنى وذلك سنة ثلاث عشرة للهجرة، فبعد مقتل أبي عبيد الثقفي كتب المثنى الى عمر يطلب أن يمدَّه بالجيوش، فأمده بجرير بن عبد الله البجلي في جند من اليمن، واجتمع النصارى من بني النمر بن قاسط وهم بطن من ربيعة فقالوا نقاتل مع قومنا، فالتحقوا بالمثنى. وبعث رستم أحد قواده واسمه مهران الى الحيرة، فسمع المثنى ذلك وهو بين القادسية وخفان، فكتب إلى جرير وكل من أتاه ممدا له يعلمهم الخبر، ويأمرهم بقصد البويب، فانتهوا إلى المثنى وهو بالبويب ومهران بإزائه من وراء الفرات، فاجتمع المسلمون بالبويب قرب الكوفة، وأرسل مهران إلى المثنى يقول: إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك؟ فقال المثنى: اعبروا. فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات وعبى المثنى أصحابه، فكان على مجنبتي المثنى بشير بن الخصاصية، وبسر بن أبي رهم، وعلى مجردته (الخيل) المعنى أخوه، وعلى الرجالة مسعود أخوه.... وحمل المثنى على قلب قوات مهران وحملت الميمنة والميسرة واستمرَّ القتال حتى الليل، وقتل مهران وولى الآخرون هاربين. 5 - المعنى ومحاولة قابوس استمالة العرب ـــ أصيب المثنى في معركة الجسر لكنه تحامل واشترك في معارك أخرى، حتى ثقل عليه جرحه فحمل الى شراف وهي منطقة في الصحراء ومعه أخوه المعنى، وعيَّن عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص قائدا لجيوش المسلمين في العراق، فمات المثنى وقد كتب وصية لسعد، وأمر أخيه المعنى أن يدركه في زرود ليسلمه الوصية، لكن المعنى رأى أمرا أكثر أهمية من تسليم الوصية، وذلك أن أحد قادة الفرس كتب الى قابوس بن قابوس بن المنذر وهو من سلالة آل المنذر اللخميين ملوك الحيرة ، كتب إليه أن يدعو عرب العراق لنصرة الدولة الساسانية، وأن يمنيهم بالعطاء، فجاء قابوس ونزل القادسية محاولا استمالة سادة بكر بن وائل ليقاتلوا الى جانب الفرس، فرأى المعنى بن حارثة إن إقناع قابوس بالكف عن هذه الدعوة أهم من لقاء سعد، فعدل الى القادسية والتقى قابوس وأقنعه باتخاذ موقف محايد ((أنامه ومن معه، ثم مضى الى سعد)) أقول: إن دلَّ هذا على شيء فإنما يدل على حرص المعنى على الجيش الإسلامي من جهة، وعلى منع القبائل من الخيانة والارتماء في أحضان الأجنبي من جهة أخرى. 6- المعنى يتسلم مهام المثنى ـــ ما أن فرغ من مهمته تلك حتى أسرع الى ذي قار، وهناك التقى سعدا وسلمه وصية من المثنى تتعلق بالحرب، فشكره سعد وجعله أميرا على فرقة من الجيش بدل أخيه المثنى. 7- موفدا الى كسرى ذكر الطبري:3/24: لما اجتمعت جيوش كسرى، جمع سعد نفرا من أصحابه فيهم شرف نسب، ولهم آراء، ونفرا لهم منظر وعليهم مهابة ولهم آراء، فأما الذين عليهم نجار (شرف نسب) ولهم آراء ولهم اجتهاد: فالنعمان بن مقرن..... وأما من لهم منظر لأجسامهم وعليهم مهابة ولهم آراء: فعطارد بن حاجب... والمعنى بن حارثة فبعثهم دعاة إلى الملك.وحضر المعنى وقعة القادسية وهو سيد قومه بعد أخويه المثنى ومسعود، إلا أن التاريخ وللأسف أغفل دوره في هذه المعركة وما تلاها من أحداث، فلم أعثر على ذكر له فيما بين يدي من الكتب .....