ماذا تعرف عن فطاني ؟: - د. صالح العطوان الحيالي
---------------------------------------------------------- فطاني .. فطاني..!! ثم يسرح بك الخيال للإجابة على السؤال وتتوارد إلى ذهنك المسميات.. امرأة ..لا.. مجلة.. لا .. وجبة ..لا! وأنت في خيالك تصدمك الحقيقة وتصرخ فيك بقوة لا.. لا .....فطاني بلد إسلامي محتل، غُيب اسمه عمداً مثل كثير من بلاد المسلمين شعبه مضطهد, وخيراته مسلوبة, لا لشيء إلا لأنه اختار الإسلام عقيدة و نظاماً وبعد أن تفيق على هذا الجواب تطلب من الحقيقة أن تحدثك عن فطاني وماهي قصتها وما الذي يجب نحوها، فتجيبك بإيجاز.
فـطـانــــي: بلد إسلامي يقع في جنوب شرقي آسيا، يجاور في الجنوب ماليزيا، وفي الشمال تايلاند ( سيام ) ويطل في الشرق على بحر الصين الجنوبي، وفي الغرب على المحيط الهندي. ومساحته صغيرة، ولكنه غني بالمحصولات الزراعية والمعادن، ويشمل أربع ولايات هي: فطاني العاصمة، و سونكلا, وساتول ، و ناراتيوس ، و بنارا . انتشار الإسلام في فطاني: ـــــــــــــ دخل الإسلام فطاني عن طريق التجار والدعاة المسلمين الذين وصلوا إلى موانئها من ماليزيا و سومطرة ، وحين أسلم ملكها ( أندراسرى ) في القرن التاسع الهجري صارت مملكة إسلامية ، وانتشر فيها الإسلام بشكل واسع ، وتقدمت في جميع مجالات الحياة ، ثم بلغت أوجها في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين ، حيث ظهر فيها كثير من العلماء وصارت مركزاً ثقافياً إسلامياً هاماً في جنوب شرقي آسيا .
اعتداء تايلند على فطاني : ثم أصاب فطاني ما أصاب البلدان الإسلامية من ضعف وتفرق وأصبحت مطمعاً لأهل تايلند البوذيين، الذين عملوا منذ أواخر القرن الثاني عشر الهجري على احتلال البلاد، كراهية لأهلها الذين دانوا بالإسلام و طمعاً في خيراتها و ثرواتها. فقد هاجم التايلنديون فطاني مرات عديدة، وألزموا الفطانيين بدفع الإتاوات لهم، ثم سقطت أخيراً في أيديهم سنة 1248هـ / 1832م. وفي سنة 1320هـ / 19022م قضت تايلند نهائياً على استقلال فطاني بإبعاد آخر سلاطينها المسلمين تنكو عبدالقادر قمر الدين، وتعيين حاكم بوذي عليها، وبذلك ضمت فطاني إلى تايلند التي أصبحت تدعي أنها جزء من بلادها. وقد عملت تايلند على محو الإسلام في فطاني بالحروب الطويلة التي كان يساق فيها الأسرى المسلمون إلى بانكوك عاصمة تايلند، كما أكرهت الفطانيين المسلمين على الثقافة البوذية وتعلم اللغة التاهية ( لغة تايلند)، وأمرتهم بالركوع لتماثيل بوذا التي أقيمت في المعابد والساحات العامة.
حاضر المسلمين في فطاني: يبلغ عدد المسلمين في فطاني أربعة ملايين، يشكلون 800% من السكان وهم من أصل ملاوي وتربطهم بجيرانهم في ماليزيا روابط الدين والعادات والجنس واللغة الملايوية التي لا تزال تكتب بالحروف العربية. ويعيش المسلمون في حالة يرثى لها من الفقر والاضطهاد، وهذا بعض ما لقيه ـ ولا يزال يلقاه ـ شعب فطاني المسلم من السلطة التايلندية:
أبرز مظاهر الاضطهاد: أـ عملت الحكومة البوذية التي فرضتها تايلند، بعد أن أزاحت السلطان المسلم تنكو عبدالقادر، على محو الطابع الإسلامي من البلاد، بإرغام الشعب المسلم فيها على اتخاذ الأسماء والألبسة والتقاليد البوذية واستعمال اللغة التايلندية. ب ـ ألغت المحاكم الشرعية، ثم سمحت بعد غضب الشعب وهياجه للقضاة المسلمين بالجلوس في المحاكم المدنية لسماع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين. ج ـ عملت الحكومة على توطين البوذيين في المناطق الإسلامية، وبنت لهم أكثر من 700 مستوطنة يسكنها حوالي 180 ألف بوذي. د ـ حاربت المدارس الإسلامية و الملايوية، وطبقت ما سمته قانون الإصلاح التعليمي للمدارس الإسلامية في فطاني لإضعاف مستوى التعليم الإسلامي، وتوجيهه في خدمة السياسة التايلندية. هـ ـ بنت القواعد العسكرية في فطاني، ولا سيما القرى القريبة من جبال بودور مركز عمليات المجاهدين المسلمين. و ـ قامت بتصفية العلماء والدعاة جسدياً أو تهديدهم وإهانتهم وتشريدهم مما اضطر فريقاً منهم إلى الهجرة واللجوء إلى ماليزيا. كما تقوم بإحراق الأحياء الإسلامية والقتل الجماعي, ففي حادث بشع قامت القوات التايلندية بحرق (100) شاب مسلم بالبنزين, وصرح رئيس البوليس في المنطقة بأن حياة المسلم لا تساوي 26 سنتاً فقط(ثمن الرصاصة). ز ـ حاولت إدخال الضلالات والشبهات على تعاليم الإسلام السمحة، بنشر التأويلات و التفسيرات المنحرفة في الكتب المقررة في المدارس الحكومية وفي الترجمة التايلندية للقرآن الكريم، معتمدة في ذلك على بعض شيوخ القاديانية هنالك. ح ـ أخمدت القوات التايلندية كل ثورة للمسلمين بالحديد والنار أو بالمكر والخديعة، فقد غضب الفطانيون لحقهم مرات عديدة، وخاضوا مع الجيش التايلندي معارك دامية، لقي الكثير خلالها مصرعهم، وأحرقت بيوتهم واغتصبت ممتلكاتهم وانتهكت حرماتهم، وسجن الألوف منهم، بينما هام عشرات الألوف غيرهم على وجوههم لاجئين إلى ماليزيا. ط ـ كذلك حرمت حكومة بانكوك المسلمين من ثروات بلادهم، كما حرمتهم المراكز الهامة والوظائف الحكومية وكافة الحقوق التي يتمتع بها مواطنو تايلند، وعرضتهم لألوان الذل والقهر و الاستعباد. والفطانيون على فقرهم يتحملون وحدهم نفقات التعليم الإسلامي في المساجد والمدارس الخاصة، ويهتمون به اهتمامهم بحمل السلاح الذي يدافعون به عن حقهم في الحياة الكريمة، لأن أكثر المسلمين امتنعوا عن إرسال أولادهم إلى مدارس الحكومة الرسمية لفقرهم، ولأن هذه المدارس يعلم فيها مدرسون وثنيون، يدرسون الديانة البوذية مادة إجبارية في المرحلتين الابتدائية و الثانوية، كما أن حكومة تايلند تفرض اللغة التاهية التايلندية، بينما يصر أهل فطاني على تعلم لغتهم الملايوية التي يكتبونها بحروف عربية، ويعدون هذا جزءاً من كيانهم، مما قلل عدد المسلمين الذين يتابعون دراستهم الجامعية. و معظم المتعلمين و الخريجين اليوم في فطاني تعلموا في الكليات الإسلامية في ماليزيا أو البلاد العربية، وهم يعملون بالتعليم في المدارس الإسلامية الخاصة.
حركات التحرير في فطاني:
هب شعب فطاني يجاهد لاستقلال بلاده، وأسس جبهات التحرير التي انضوى في صفوفها كثير من الشباب المسلم، وأخذ يقاتل على أرض فطاني، في جبال بودور الشاهقة، وبين الغابات و الأدغال المتشابكة المجاورة لماليزيا، وبدأت عمليات المقاومة منذ 1369هـ / 1950م، ولا تزال حتى الآن تواجه المستحيل، و تتحدى المصاعب وحدها في تلك الثغور البعيدة، على حين غفلة من أبناء المسلمين الذين يعاني كل منهم في بلدة ما يؤوده من البلاء وتسلط الأعداء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.