top of page
صورة الكاتبAdmin

الفن الإسلامي ودوره في التواصل الحضاري بين الشعوب -  د. صالح العطوان الحيالي


الفن الإسلامي ودوره في التواصل الحضاري بين الشعوب - د. صالح العطوان الحيالي

----------------------------------------------------------------------------------

الفن من اصدق انباء التاريخ "الفن الإسلامي ودوره في التواصل الحضاري بين الشعوب " يعتبر الفن عموماً والمعماري منه خصوصاً، من أصدق أنباء التاريخ، وهو واحد من أهم علوم هندسة الروح والجسد وأكثرها سمواً ورقياً، ذلك لأنه قادر كموسوعة وقوة خازنة لخيال الأمم، على تحقيق التواصل والتفاعل الحضاري، والفن المعماري أقدر من غيره على التواصل مع الآخر، وقد لعب الفن المعماري الإسلامي دوراً كبيراً في خلق حوار فني حضاري متميز، لأنه انطلق من هويته وحافظ على خصوصيته الثقافية فاستطاع من خلال جمالية إبداعه الفني تقديم الوجه الحقيقي لحضارته . والعمارة هي وعاء الحضارة، وتمثل الهُوية الثقافية والمستوى الإبداعي والجمالي للإنسان وكما قيل منذ القدم، هي أم الفنون لأنها تجمع بين فن البناء إلى جانب النحت والرسم والخط والزخرفة ، وكما أخذت كل الفنون من بعضها، فقد أخذ فن العمارة الإسلامي أول الأمر عن الحضارة الهيلنيستية التي كانت سائدة قبل الإسلام في بلدان أوروبا الغربية وأيضا في شرق البحر الأبيض المتوسط وكل الأماكن التي وقعت تحت نفوذ الإمبراطورية الرومانية، وتواصلت مع مختلف الحضارات في الشام والعراق والهند والصين والأندلس، وأخذت طابعها الخاص الذي يعكس جوهرالفكر الإسلامي. وبعد ذلك أتيح للحضارة الإسلامية، أن تؤدي ما عليها من دين للحضارات التي سبقتها، فأثرت الأساليب المعمارية العربية الإسلامية في العصور الوسطى، إذ أعجب الحكام والفنانون الغربيون بالحضارة الإسلامية، فتأثروا بالعمارة والزخرفة ، وليس مثل هذا التبادل الفني غريباً في شيء، فقد اتصل الشرق الإسلامي بأوروبا في العصور الوسطى، عن طريق الحضارة الإسلامية التي قامت في الأندلس وجزيرة صقلية، والتي كان لإشعاعاتها الفضل الكبير على أوروبا في مختلف المجالات الفنية وغيرها، وعن طريق التجارة، وبفضل مشاهدات الحجاج المسيحيين للأراضي المقدسة، وما كانوا يحملونه معهم إلى أوروبا من التحف الإسلامية، ثم عن طريق الحروب الصليبية التي قامت بين الشرق والغرب، حيث نقلوا العديد من التصميمات الشرقية إلى الغرب مع تطويرها لتلائم البيئة المحلية ، فضلا عن اتصال الأوروبين بالدولة العثمانية بعد ذلك . اسبانيا (الأندلس: الفردوس المفقود) ــــــ كان لفنون العمارة الاندلسية في مختلف عصورها أعمق الأثار داخل شبه الجزيرة الايبيرية فكانت القصور الملكية في الممالك النصرانية نماذج من القصور الملكية الأندلسية ؛ وكان أثر الفن المعماري الأندلسي قويا في الكنائس ذاتها ؛ ففي كثير من الكنائس الاسبانية والبرتغالية ترى خطة المسجد ظاهرة في عقودها وأروقتها. وقد اقيمت أبراج كثير من الكنائس الشهيرة على نمط المنارة الإسلامية، وقد لاحظ المستعرب الإسباني خوان برنيط في كتابه”المسلمون الإسبان” إنه من العسير جداً أن نحدد مدى التأثير الإسلامي فيشبه الجزيرة الإيبيرية، ذلك أن الأندلس كانت دائماً هدفاً للهجرات الشرقية مما يكون لهأثره فيما قبل الإسلام بكثير على أن هناك أشياء ماثلة لا يمكن الشك في أنهاإسلامية . وقد درس مورينو على نحو مستفيض كنائس المستعربين التي قامت في قَشْتَالَة وليون وجلِّيْقيَّة خلال عصري الإمارة والخلافة الأمويتين في الأندلس ووجد أنها متأثرة بالفن الإسلامي وتميز باستخدام العقود التي ترتفع فوق أقواس على شكل حدوة حصان، كما عكف ايل لامبير في دراسة له على تحديد هذه العلاقات ووجد نفسه يقرر الحقيقة التالية”إن مهندسي البناء والمزخرفين المسيحيين في اسبانيا وفرنسا على امتداد عصر الفن الروماني، اقتبسوا على التأكيد عدداً وفيراً من خيرة أشكال فن الإسلام الاسباني المغربي . أمّا لويس بريهييه ، فيستنتج تشابهات بين القبب ذات التصميم المثمّن الزوايا وذات عقود الزوايا في الجناح، والهندسة العربيّة في إسبانيا. وبرأيه، إذا لم يكن المهندس مسلمًا فهو بالتأكيد أندلسيّ مسيحيّ . ويقول المستشرق جورج يعقوب إن كل العوامل التي خلقت الفن القوطي شرقية، وصلت أوربا عن طريق المسلمين. فالعقود المدببة التي استخدمها الفن القوطي في القرن الثاني عشر بدلا من العقود المستديرة كانت معروفة قبل ذلك في الشرق الاسلامي. وظهر العقد المدبب في مقياس الروضة ثم في مسجد اخيضر في العراق الذي يرجع الى اواخر القرن الثامن ثم في جامع ابن طولون الذي شيد في القرن التاسع الميلادي، كذلك استخدم الطراز القوطي المشربيات والشرفات، وهذه نجدها في سور جامع ابن طولون الخارجي الذي يمتاز بشرفات زخرفية يمكن اعتبارها أول نموذج للاسوار ذات النوافذ والشرفات التي نراها بعد ذلك منتشرة في الطراز القوطي في اوربا .أما ظاهرة تحلية الأعمدة في المباني القوطية بتيجان على هيئة ناقوس فقد سبق الشرق الإسلامي الغرب الأوربي أيضا في ابتكارها، إذ نجد أن مسجد سامرا الذي يرجع تاريخه إلى أواسط القرن التاسع الميلادي حليت أعمدته بتيجان على هيئة ناقوس. مما يرجع انتقال هذه الظاهرة عن المسلمين إلى غرب اوربا . الفن المدجن ـــــ أما ظاهرة تحلية الأعمدة في المباني القوطية بتيجان على هيئة ناقوس فقد سبق الشرق الإسلامي الغرب الأوربي أيضا في ابتكارها، إذ نجد أن مسجد سامرا الذي يرجع تاريخه إلى أواسط القرن التاسع الميلادي حليت أعمدته بتيجان على هيئة ناقوس. مما يرجع انتقال هذه الظاهرة عن المسلمين إلى غرب اوربا . وكان الصناع المدجنون يستخدمون لزخرفة الكنائس والدور في كافة انحاء اسبانيا، ومثال صناعتهم يتجلى في البهو البديع بقصر الانفنتادو في وادي الحجارة ، وكذلك نرى أثر العمارة الإسلامية واضحاً في كنيسة مدينة سَرَقُسْطة التي بنيت في عصر”المدجنين” في القرن 16م ، وتلك الكنيسة مبنية من الطوب، وفتحاتها كلها معقودة، أما برج الكنيسة، فيشبه تخطيط المآذن في المساجد الأندلسية التي في شمال أفريقيا، وخصوصا مئذنة مسجد القيروان.هذا بالإضافة إلى استعمال الطوب في عمل الزخرفة التي على برج الكنيسة، كما استعملت المقرنصات قصر الانفنتادو ....كنيسة مدينة سَرَقُسْطة ـــــ وقد بنى المدجنون القصر المعروف بالكازار للملك بدرو القاسي في اشبيلية على طراز إسلامي خالص، وكان يستخدم لمقام الملك واصبح منذ اعلان الجمهورية متحفاً . وأخذ الغرب عن العمارة الأندلسية أشكال المآذن المربعة التي أصبحت أبراجا للكنائس ، تجسدت على سبيل المثال في برج ساحة القديس مرقص (سان ماركو) في البندقية، وقد استخدمت في تلك الكنيسة العقود المدببة التي كانت قد اصبحت أهم مميزات العمارة العربية الاسلامية ، وكذلك اقتبس الغرب القوس المدبب ، حيث حلوا فيه مشكلة السقوف المفصصة والمتقاطعة التي تشكل احدى واجهات مسجد قُرْطُبَة واستمر تأثير العمارة الاندلسية حتى بعد خروج المسلمين من اسبانيا، وبرز بعد ذلك طراز إسلامي جديد يسمى طراز المدجنين واستمر تأثيره حتى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بل وصل الى القرن العشرين وتمثل ذلك في الكثير من الأعمال العمرانية الإسبانية، منها ساحة مصارعة الثيران في مدريد والتي نرى فيها تجسيدا واضحا وخالص للعمارة الاندلسية . وقد ترك المسلمون طابعاً فنياً ومعمـارياً غـنـيـاً على كامـلالتـراب الإسباني،إلا أن أبـرز هذه الآثـار المعمـارية ما هو موجـود في إقليـمالأندلـس (الحـالي أي جنوب إسبانيا،كما هو الحـال بالنسبـة إلىمسجـد قُرْطُبَة الجامع وقـصـر الحمـراء والزخـارف الرائـعـة في غَرْناطة . وقد ترك المسلمون طابعاً فنياً ومعمـارياً غـنـيـاً على كامـلالتـراب الإسباني،إلا أن أبـرز هذه الآثـار المعمـارية ما هو موجـود في إقليـمالأندلـس (الحـالي أي جنوب إسبانيا،كما هو الحـال بالنسبـة إلىمسجـد قُرْطُبَة الجامع وقـصـر الحمـراء والزخـارف الرائـعـة في غَرْناطة هم في اختراع متقاطع الأوجيف الشهير في الفن القوطي ، لما هناك من صلة واضحة بين الأقبية ذوات النواتئ وبين متقاطع الأوجيف . وقد بلغ تأثير جامع قُرْطُبَة أقصاه في كنائس”جليقيه”مثل”سانتا جودي بنيالبا”و”سان مارتينو دي باثو”، حيثنري العقد المتجاوز الذي يمتد إلي ثلثي نصف القطر، كما أن توزيع سنجاته مركزي،وتلتف حوله طرة مربعة، هذا إلي وجود نوافذ مزدوجة . وشهد العمران والعمارة في جنوب أوروبا وأسبانيا على وجه الخصوص الابداعات التي تتجلى في بناء العقود وطريقة عمل الأقبية في كنيسة”سان ميجل دي إسكالادا المبنية عام 301هـ/ 913م ، وابليون، وهي الكنيسة التي بناها القس الفونسو معصحبة والذين قدموا من قُرْطُبَة سنة ٩١٣ م، وكنيسة”سان ميلان دي لاكوجويا”سنة ٩٨٤ م، و”سان ثبريان دي ماثوتي”التي بناها القس القرطبي خوان سنة ٩٢١ م ، وكنيسة سانباوديل دي برلانجا وكنيسة المزان في قَشْتَالَة، وجميع عقود هذه الكنائس متجاوزة، ونسبتها فياسكالادا تبلغ ثلاثة أرباع القطر، وفي كنيسة”سان سلفادور بقلد ديوس”نافذة بهازخرفة هندسية جصية متشابكة تشبه تشابكات إحدى نوافذ جامع قُرْطُبَة، ويتجلي في”ماثوني”عقد قرطبي التخطيط يتعاقب في سنجاته اللونان الأبيض والأحمر. سان ميجل دي إسكالادا ـــــ يقول المؤرخ سيجفريد جيديون صاحب كتاب”الفراغ والزمن والعمارة” ، أنه يمكن الفرض باطمئنان أن قبةكنيسة سان لورانزو في إسبانيا لم يكن لها أن تصمم ما لم يكن جوارينو جواريني قدشاهد قبة المحراب في مسجد الحاكم بقُرْطُبَة والذي أُنشأ عام 965 م، فعقود محراب قُرْطُبَةكما يقول جيديون تعتبر أول عينة عرفت في التاريخ أعطى فيها بناء العقد وظيفةإنشائية. ومن تحليل العمارة الإسلامية يتضح مدى التزامها القوي بأسلوب التعبير عنالإنشاء أو التعبير عن الوظيفة هذا وقد تأثر كثير من المعاصرين في الغرب بالقيمالمعمارية للعمارة الإسلامية ليس فقط من ناحية التصميم ولكن أيضا من ناحية التعبيرالمعماري ثم المعالجات المعمارية للعوامل المناخية. تشابه قبة المسجد مع قبة كنيسة سانلورانزو... كنيسة سان لورانزو ــــ هناك برج الخيرالدا هو برج قائم في إشبيلية ومن أهم معالمها . كان في السابق مئذنة في مسجد من عهد الموحدين ، إلا أنه اليوم أصبح برجا للأجراس ويعد جزءا من كاثدرائية إشبِيلِيّة، أهم معالم المدينة. ويظهر في بناء البرج تأثير الحضارة الإسلامية ويمكنتشبيهه بالملوية في سامراء. الخيرالدا ــــــ اتخذت منارة الخيرالدا نموذجاً لكثير من الأبراج في كنائس اسبانيا الجنوبية بل لقد تسرب تأثير الفن الاسلامي الى الهياكل ذاتها فنرى مثلا مصلى دير لاس هولجاس أو الدير الملكي في مدينة بُرْغش (بورغوس ) وقد صنعت على الطراز الاسلامي وعليها قبة عربية مقرنصة الزخارف . وثمة منارة صغيرة تشبه الخيرالدا باقية حتى اليوم في كنيسة سان خوان الملوك . كنيسة سان خوان الملوك ــــــ يتضح مما سبق الدور الرائع للحضارة الاسلامية في ايجاد تواصل وحوار بين الثقافات والحضارات عن طريق تأثير الفنون الإسلامية في الفنون الأوربية.. وأن الحضارة الأوربية الحديثة استندت إلى أسس الحضارة العربية الإسلامية.. وكان هناك تلاق بين الشرق والغرب لاتنكره العين المجردة ووثائق التاريخ والجغرافيا ...


٣١٠ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page