" ابي " الوحيد الذي لا اندم على حبه - د. صالح العطوان الحيالي
----------------------------------------------------- تحياتي لك يا صاحب السّمو.. الرحمة والغفران نم قرير العين تحف بك الملائكة .. حبّك هو الوحيد الذي كان صادقا، فقد كنت تحبني بلا مقابل، دون انتظار .. كنت أخافك بحبّ و صرت اليوم أحبّك بخوف، خوف من أن لا أكون ابنًا بارًّا أو أن أخسرك في غربتي بين البشر.. اشتقت شدّتك التي كنت لا تفوّت مناسبة إلا و أبديتها لي، كأنك تودّ أن تقول "أنت لي أيها الفتى، أنت ملك أبيك".. نعم يا أبتي، أنا لك، اصنع بي ما شئت.. لم تكن كثير كلامٍ -كما تعلّم جميع الرّجال في وسطنا- لكنك كنت غزير العطاء كثير الإِحْسَانِ، إنك تنطق بلسانك حالك الصادق.. لا يغادر ذهني ذلك الإعياء الذي أنظره فيك بعد دوام العمل كل يوم، ذلك الأرق الذي يلف جسمك الدافئ، ذلك الثقل الذي يتربع على أكتافك.. مازالت بعض وصاياك تستوطن كياني كما لو كنت أسمعها منك الآن، لم أكن أوليها إهتماما، فكم كنت أحمقًا.. صحيح أنني لم أعتد الحديث إليك مطوّلا -كما يفرض علينا الوسط أيضاً- لكنك علمتني أنه ما كلّ شيء يقال، فرُبَّ قول لم يجرِ على لسان.. رأيتك قاسيا يوما ما، و اليوم أُشهد الكون كله أن الحنان شُطر نصفين، نصف أوتيته وحدك و نصف وُزّع على الخلائق.. لا أذكر أنك قبّلتني قبل العشرين أو عانقتني، لكنك كنت تأتيني في غفوتي و تفعل ذلك، ترسم القُبَلَ على كل جسدي الصغير، تسقني بفيض رقّتك النّدية كما لا يفعل غيرك، كنت أتظاهر بالنوم في أغلب تلك المرّات يا أبي، و كنت أنتظرك حتى تغادر الغرفة كي أبتسم بلمئ الفم ظنًّا مني أني خدعتك، لكنني كنت مغفلا لأنك كنت تعلم كذبي من خلال حركة أجفاني الغبيّة، ليتها تعود تلك الأيام.. يحظرني الآن مشهد سرورك الذي تكلّفت جاهدًا عدم إبدائه لي .. عندما أصبحت بطولك ثم تجاوزتك، كان بريق مقلتيك الكستنائيتين يفضح ما يجول في خاطرك، حينها قد بدأت أفهمك، بدأت أراك بعين القلب و الفؤاد و العقل.. أبي.. مضت السنوات و أنت كما أنت، أما أنا فقد صرت مثلك أنت.. ف هنيئا لي بك.. هنيئا لي بك..