الفراق في الغربة - د. صالح العطوان الحيالي
--------------------------------------
الفراق في الغربة اصعب انواع الفراق
يقولون أن الأصدقاء في الغربة يصبحون بمثابة الأهل، ليس ﻷنك تراهم بشكل متواصل، ففي الوطن تقابل زملاء العمل والأصدقاء بشكل متواصل أيضًا.. ولكن الأصدقاء في الغربة مختلفون ﻷنك ببساطة لا ترى أحدا سواهم. على مدار سنين يصبحون هم من تضحك معهم، من تبكي لهم، من تلجأ إليهم ويلجؤون إليك.. أطفالهم ولدوا على يدك وفي وطن لا توجد فيه خالة ولا عمة ولا جدة، تجد نفسك تقوم بكل هذه الأدوار مجتمعة رغم أن صفتك مجرد صديق.. ولكن في الغربة الصديق ليس كأي صديق.. ولهذا كان الفراق في الغربة من أصعب أنواع الفراق.. ربما أصعب حتى من فراقك ﻷهلك عندما تركت وطنك مهاجرًا.. أو ربما ﻷنه يعيد لك حرمانك القديم فتجتمع عليك كل لحظات الفراق في لحظة واحدة ..لحظة ترى فيها أشياء صديقك وهي يتم عرضها للبيع ..لحظة ترى ابنه أو ابنته وهم يرحلون وأنت لا تدرى متى ستجمعكما الأيام مرة آخرى وهل لو جمعتكما سيذكرون طنط أو أنكل الذي كان يلاعبهم وهم أطفال؟ لحظة تحاول أن تبحث فيها عن بديل عن الأشياء التي اعتدت القيام بها معهم كالتسوق أو المذاكرة أو أو أو.. ربما تدرك أنهم من وضعت أرقام تليفوناتهم كأرقام طوارىء في عملك أو حضانة ابنك أو جامعتك، الآن عليك أن تجد بديلا أيضًا لذلك.. يدفعك كل هذا للتفكر في اللحظة التي تركت فيها وطنك، وهل مر أهلك وأصحابك هناك بما تمر به الآن بدون أن تشعر؟ هل هم أيضًا كانوا يبحثون عن بديل لك وأنت مشغول بترتيب أغراضك وبالحياة الجديدة التي تنتظرك!! هل وقفت أمي في اليوم الذي تلى سفري ترشف الشاي بمفردها وتتطلع إلى الكرسي الفارغ الذي كنت أجلس عليه معها؟ هل تجنبت صديقتي المرور من أمام مكتبي كما أنا أفعل الآن؟ هل وهل وهل؟ نعم هناك التكنولوجيا..هناك سكايب ولاين وواتس أب وفايبر وتانجو والفيس بوك والايميل وتويتر، الخ الخ الخ.. ولكن لا تستطيع التكنولوجيا أن توفر لك بديلا للحب ..بديلا للامان..بديلا للونس..هو حال الدنيا بلا شك.. أحبب من شئت فإنك مفارقه، كل من تحبهم ستفارقهم أو يفارقونك يومًا ما.. وربما يبقى أمل اللقاء في جنة الرحمن حيث لا فراق ولا نصب ولا صخب.