top of page
صورة الكاتبAdmin

التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية للحضارة الإسلامية علي أوربا -  د.صالح العطوان الحيالي


التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية للحضارة الإسلامية علي أوربا - د.صالح العطوان الحيالي

---------------------------------------------------------------------------- لقد اهتم الإسلام بشؤون الاجتماع كما اهتم بأمور الأخلاق، وعني بهما عناية كبيرة وفائقة ، و وضع لهما قوانين دقيقة و نظم أمورهما تنظيما شاملا، وتطرق حتى إلي أبسط جزئية لهما من آداب الأكل والنوم والشرب والغائط والبول وغيرها ، لكي يقوم المجتمع الإسلامي على أسس قوية ومتينة ، ويكون مجتمعا مثاليا وحقيقيا خاليا من العيوب والنقائص على العموم ، كما ينشأ و يتربي كل مسلم على أخلاق حميدة و عالية ، ويكون نموذجا حيا ومثاليا للإسلام وقدوة حسنة أمام الغير ، ويكون قمة في أخلاقه. ولا ريب أن المسلمين الأوائل بلغوا القمة في الأخلاق ،وقدموا أروع الأمثلة وأفضل النماذج في هذا الباب أمام جميع أهل الأرض ، فكانوا بلا شك أصدق صورة وأفضل أنموذج للإسلام، كما كان المجتمع الإسلامي الأول مجتمعا مثاليا قائما على أسس التعاون والمودة وخاليا من الفواحش والمنكرات في الأغلب ، وكان أصدق تعبير للإسلام وأفضل تمثيل له. ولذا عندما فتح المسلمون الأندلس و صقلية و جنوب فرنسا ، وسكنوا فيها وتعاملوا مع أهلها ، كذلك حينما وردت جحافل النصارى خلال الحروب الصليبية في العصور الوسطى إلي بلاد الشام ، وأقاموا فيها واختلطوا مع سكانها المسلمين ، شاهد الأوربيون في كلتا الحالتين بأعينهم أخلاق المسلمين العالية و صفاتهم المحمودة في هذه المناطق ، ورأوا عن كثب مجتمع المسلمين المثالي ، ولاحظوا عن قرب العادات والتقاليد الاجتماعية الإسلامية ، فاندهشوا وافتتنوا بها ، و شغفتهم أخلاق المسلمين وعاداتهم الاجتماعية ، ومن ثم أخذ الأوربيون في تقليد كثير من أخلاق و عادات و تقاليد المسلمين ، وهكذا انتقلت كثير من العادات الاجتماعية و الأخلاق الإسلامية إلي أوربا. ومن هذه الصفات و الأخلاق والعادات ما يلي:- التسامح الديني ، الفتوة ، التكافل الاجتماعي ، الصبر ، الكرم ، حسن الجوار، كرم الضيافة ، احترام المرأة ، الرفق بالحيوانات ، بعض الألعاب الرياضية ، بعض طرق الصيد ، رقة العواطف،لين الطبائع ، احترام الأرقاء ، الشجاعة ، عادة الاستحمام ، الحمامات ،احترام العهود والوفاء بالوعود، مساعدة الأرامل والنساء ، المساواة وإلغاء الطبقات الاجتماعية ، تحرير العقل ونشر بذور الحرية الاجتماعية ، فن الطبخ و بعض الأطعمة ، قواعد الفروسية وأخلاقها، أدوات الزينة، الملابس، بعض فنون العمارة و الموسيقي وبعض الآلات الموسيقية … الخ ويظهر من الفقرة السابقة أن التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية للحضارة الإسلامية علي أوربا كثيرة ومتعددة وواسعة وشاملة لكثير من النواحي والجوانب ، ولا يمكن تناول كلها في هذا البحث الموجز ، ولذا أكتفي ببيان وشرح بعض أبرز الصفات و أشهر العادات وأفضل الأخلاق التي لها أثر عميق و واسع علي أهل أوربا، وهي كما يلي :- 11- التسامح الديني : و تعتبر هذه الصفة من أثمن و أجمل صفات المرء التي يجب أن يتحلي بها كل إنسان على وجه هذه الأرض ، كما هي من أجل الصفات و أكرمها التي انتقلت إلي أوربا من المسلمين ، فقد أجمعت المراجع والوثائق الأوربية علي أن النصارى و اليهود والزرادشتية والصابئة وغيرهم من أهل الأديان الأخرى تمتعوا في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح والحرية الدينية ليس لها نظير في البلاد المسيحية المعاصرة , وذلك أنهم تركوا أحرارا في مباشرة شعائر أديانهم واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم , ولم تفرض عليهم سوى جزية ضئيلة تراوحت قيمتها بين دينار وأربع دنانير , ولم تفرض هذه الجزية إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح , ويُعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ , والأرقاء والشيوخ والعجزة والمعدمين , ومن الواضح أن أهل الذمة أعفوا من الخدمة العسكرية مقابل دفع الجزية , كذلك أعفوا من الزكاة التي فرضت على المسلمين وحدهم . وهكذا أخذ المسيحيون في جميع البلدان الإسلامية يمارسون شعائر دينهم في حرية تامة , حتى بقيت غالبية أهل الشام مسيحية حتى القرن الثالث الهجري , ويذكر بعض المؤرخين أن الدولة الإسلامية كان بها على عهد المأمون أحد عشر ألف كنيسة , وكان المسيحيون أحرار في الاحتفال بأعيادهم علنا , وحجاجهم يأتون آمنين لزيارة الأماكن المقدسة في فلسطين , وبعد أن كان المسيحيون الخارجون على الكنيسة الشرقية يلقون كثيرا من العنت والاضطهاد في بلاد الشام ومصر , إذا بهم يصبحون أحرارا آمنين في ظل الحكم الإسلامي . كما استخدمت الدولة الإسلامية كثيرا من الموظفين المسيحيين الذين وصل بعضهم إلى أرقى مناصب الدولة , من ذلك أن سرجيوس والد القديس يوحنا تولى منصب خازن بيت المال في عهد عبد الملك بن مروان , كما أن يوحنا نفسه تولى منصبا هاما في حكم دمشق . وهكذا بلغت الحرية الدينية في ظل الدولة الإسلامية أباحت للنصارى الذين يضعون الصلبان على صدورهم في أن يترددوا على المساجد ليجتمعوا فيها مع إخوانهم المسلمين . كذلك بلغ من المسلمين في الأندلس أنهم سمحوا لأساقفة النصارى بعقد مؤتمراتهم ومجامعهم الدينية , مثل مجمع أشبيلية الذي عقد سنة782م ومجمع قرطبة الذي عقد سنة 852م هذا إلى أن الأندلس الإسلامية كانت دولة أوربية وحيدة في العصور الوسطى الذي تمتع فيها اليهود بحقوقهم المدنية والدينية كاملة كما تمتعوا برعاية الدولة لهم . وتسامح مثل هذا هو مما لم تصل إليه أوربا بعد ما قامت به في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة وما عانته من الأحقاد المتأصلة وما منيت به من المذابح الدامية . 22- الفتوة : أثبتت الأبحاث والدراسات الأوربية أن الصدارة في هذه الصفة النبيلة المشرفة ثابتة للمسلمين, وكان لها على الغرب أثر بعيد الغور، ولقد أخذ أهل أوربا هذه الصفة من المسلمين وشهد به الغرب بأنفسهم , يقول العالم الفرنسي الجهبذ" فورييل" في كتابه" تاريخ الشعر البروفانسي" هناك ما يدفع المرء إلى استنباط أن عرب الأندلس كان لهم بوساطة مثلهم أثر حقيقي في الحضارة الخلقية والاجتماعية في جنوب فرنسا , وأخص من ذلك في القسم الأكثر سيادة في هذه الحضارة وهو الفتوة". وإن تفوق المسلمين على الغربيين في الفتوة وما ينبثق عنها من الفضائل أمر معترف به من الجميع ولإيضاح ذلك يقول الكاتب الإنجليزي" ايستانلية" في كتابه صلاح الدين وتاريخ مملكة أورشليم" إن الذين درسوا تاريخ الحروب الصليبية ليسوا في حاجة إلى أن يتعلموا , أن فضائل الحضارة كالشهامة وكبر النفس وكرم الخلق والتسامح والفتوة الحقيقية والثقافة الرشيقة كانت كلها إبان تلك المكافحات في جانب المسلمين. وهؤلاء المؤرخون عندما يتحدثون عن الفتوة يعزون إلي المسلمين الفضل في معرفتها , وبتفتح نظامها في أوربا وصقله وترقيته , وتوسيع آفاقه , ويقول في هذا الصدد العالم الفرنسي" بار تيليمي سابنهلير" في كتابه" محمد والقرآن"أنه بسبب مخالطة العرب ومحاكاتهم استطاع أشرافنا في العصور الوسيطة أن يجعلوا طباعهم الفظة لينة , وعرف فرساننا- دون أن يفقدوا شيئا من شجاعتهم ـ عواطف أكثر نبلا ورقة تكون المسيحية وإنسانية,ومن المشكوك فيه أن رغم ما تقدمه من خير هي وحدها التي ألهمتهم هذه الأحاسيس. ولقد ذهب فريق من المؤرخين إلى أن الفتوة الإسلامية سابقة في نشأتها على الفتوة الغربية , بل يجزم بأن الغرب قبل اتصاله بالمسلمين في أسبانيا لم يكونوا يعرفون شيئا من الفتوة ومن هذا الفريق الكاتب الباحث" هامبريورجستول". ويتضح مما سبق بوضوح تام أن الفتوة صفة إسلامية عريقة وأصيلة أخذها الغرب عن الإسلام والمسلمين . 33 - التكافل الاجتماعي : وهو يعني حق كل إنسان بالحياة الكريمة والتحرر من الحاجة والفقر , وبعبارة أخرى هو تحميل أهل الرخاء في مجتمع ما مسؤولية حياة المحرومين والعاجزين . وقد جعل الإسلام للتكافل الاجتماعي صندوقا خاصا , وجعل الجباية لهذا الصندوق من أولى واجبات الدولة , وجعل من مصاريف هذا الصندوق شراء الأرقاء وتحريرهم , والوفاء عن الغارمين العاجزين عن وفاء ديونهم , كما يستفيد من صندوق هذا التكافل الاجتماعي في الإسلام كل من الشيخ العاجز والأرملة التي لا عائل لها والمريض , والعاجز عن العمل بسبب من الأسباب , واليتيم الذي لا مورد له , والمصابين بكوارث الحريق والسيول وانهيار البيوت وأسر المرضى المحتاجين بل وأسر السجناء مهما كانت أسباب السجن وغيرهم. وهذه الصفة لم تكن معروفة قبل الإسلام , ولم يعرف لها مثيل لدى الأمم من قبل , فهي صفة إسلامية خالصة ونظام اجتماعي إسلامي بحت , جاء به الإسلام وألزم أهله برعاية الفئات المذكورة أعلاها , بعد أن كان المحروم في كثير من المجتمعات قبل الإسلام معرضا لفقد حريته , بل ولقتله أيضا كالمدين إذا عجز عن وفاء دينه كما هو معروف في حقوق روما القديمة , وكما هو معروف عند بعض العرب من قتل أولادهم خشية إملاق والجوع , ولم تنتقل هذه الصفة الحميدة إلى الغرب إلا بدءا من أواخر العصر الماضي . ولذا نرى أن الغرب شعبا وحكومة يهتم بالمحرومين , و الآن توجد صناديق التكافل الاجتماعي لا في جميع دول الغرب فحسب بل في جميع دول العالم , وهذه نعمة جليلة من نعم الإسلام ومنة كبرى من مننه اللامحدودة على البشرية جمعاء . 44- قواعد الفروسية وأخلاقها : انتقلت إلى أوربا قواعد الفروسية وأخلاقها , فإن الفروسية العربية لها شروطها وآدابها , ولا يكون المرء فارسا إلا إذا تحلى بهذه الخصال العشر، وهي الصلاح والكرامة ورقة الشمائل والقريحة الشعرية والفصاحة والقوة والمهارة في ركوب الخيل والقدرة على استعمال السيف والرمح و النشاب. وتوجد وقائع كثيرة تدل على انتشار تلك الخصال بين فرسان العرب , فكانوا يرحمون الضعفاء ويرفقون بالمغلوبين ويقفون عند شروطهم , فاقتبست الأمم النصرانية في أوربا هذه الخلال من فرسان المسلمين مؤخرا , و ذاعت خصال الفروسية تلك بين النصرانية ولكن ببطء , فأثرت في نفوس النصارى وأصلحت طبائعهم وهذبتها . 55-احترام المرأة وإنسانيتها :لم تكن المرأة قبل الإسلام تحظي بأي مكانة لدى الشعوب والأمم المختلفة . وكانت تعامل معاملة قاسية من قبل المجتمع ، ولم يكن لها حقوق التمليك والإرث والتجارة وغيرها، وكان قدرها الاجتماعي منحطا جدا، وخلاصة القول أنها لم تكن تملك من أمرها ونفسها شيئا . فمثلا كان الأغارقة علي العموم يعدون النساء من المخلوقات الدنيئة التي لا تنفع لغير دوام النسل وتدبير المنزل ، فإذا وضعت المرأة ولدا دميما قضوا عليها ، كما كانت المرأة الولود تؤخذ من زوجها بطريق العارية لتلد للوطن أولادا من رجل آخر ، كذلك كانت المرأة تعتبر عند الهندوس أسوأ من النار والسم والأفاعي والجحيم ، واليهودي كان يعتقد أن المرأة أمرّ من الموت ، وعلي كل حال كانت المرأة أمة لا قيمة لها في المجتمع ، ولم يكن لها أي حق فيه . ولكن حينما جاء الإسلام كرم المرأة تكريما بالغا ، ورفع من شأنها رفعة عظيمة ، وأعطاها حقوقا كثيرة من تمليك و زواج وتجارة وميراث وغيرها، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات ، ومنع من وأد البنات ، ونهى الأزواج من البطش والشدة مع الزوجات و أمرهم بالمعاشرة الحسنة معهن ، و إلى غير ذلك من الأمور والقوانين التي سنها الإسلام لحفظ حقوق المرأة ولصيانة كرامتها ، فهو أول دين أعطى النساء حقوقهن كاملة ، ومنحهن مكانتهن في المجتمع كما كن يستحقن ، فطبق المسلمون أوامر الإسلام وعاملوهن معاملة حسنة. ونرى عكس ذلك في أوربا ، فالنصارى لم يحملوا شيئا من الحرمة للنساء ، وكانوا غلاظا نحوهن، وكانوا يرونها أنها نجس، و كانوا يعاملونها معاملة قاسية حتى تعلموا من المسلمين معاملتهن بالحسنى، وعرفوا قيمتها و إنسانيتها، فصاروا يقدرونها وأعطوا حقوقها ولكن مع هذا لم تنل المرأة نفس الحقوق والمكانة التي نالتها في الإسلام . 66- الرفق بالحيوانات : صفة نبيلة جاء بها الإسلام , وأمر أتباعه بالرفق مع جميع المخلوقات ومنها الحيوانات , ومن هذا المنطلق عامل المسلمون مع الحيوانات وغيرها معاملة حسنة وبرفق عظيم , فالمسلم لا يؤذي أحدا ولو كان حيوانا . يقول غوستاف لوبون : " والحق أن الشرق جنة الحيوانات , وفي الشرق تراعي الكلاب والهررة والطيور الخ , وتحلق الطيور في المساجد وتوكر في أطنافها مطمئنة , وتأوي الكراكي إلى الحقول من غير أن تؤذي , ولا تجد صبيا يمسّ وكنا , وقيل لي في القاهرة بصيغة التوكيد , وهذا يؤيد ما ذكره بعض المؤلفين , إن في القاهرة مسجدا تأتيه الهررة في ساعات معينة لتتناول طعامها وفق شروط أحد الواقفين منذ زمن طويل". و يقول أيضا: ويعامل الشرقيون الكلاب و جميع الحيوانات برفق عظيم ، ولا ترى عربيا يؤذى حيوانا ، وإيذاء الحيوان من عادة سائقي العربات في أوربا، وليس من الضروري إذاً أن يؤلف العرب جمعيات رفق بالحيوان." وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل على أن أهل أوربا تأثروا بالمسلمين في هذه الصفة ، وتعلموا الرفق بالحيوانات ، ولم يكتفوا بذلك بل أنشاؤوا جمعيات لتوعية عامة الناس تجاه الحيوانات. 77-الاستحمام و الحمامات: عادة الاستحمام وخلع الملابس هي من العادات الاجتماعية التي اقتبسها الأوربيون من المسلمين ، فالمعروف عن الأوربيين أنهم كانوا لا يغتسلون إلا مرة أو مرتين كل عام وبالماء البارد ، وكانوا لا يغسلون ملابسهم بعد أن لبسوها ، وكانوا يعتقدون أن القذارة مظهر من مظاهر العفاف ، بينما الاستحمام و خلع الملابس فسق ودعارة .و لكن حينما ورد الأوربيون إلي بلاد الشام في الحروب الصليبية ، و شاهدوا الحمامات في كل مكان ، فهاموا بها كما هام بها أولئك الغربيون الذين شاهدوها في أسبانيا و صقلية ، فألحوا في إدخالها إلى أوربا بالرغم من المعارضات الشديدة . و هكذا انتقلت هذه العادة الحميدة إلى أهل أوربا . (88) الملابس والزينة : أعجب أهل أوربا بملابس المسلمين ، فقلدوهم في اللبس أيضا، واستعمل أهل فرنسا الملابس الشرقية الفضفاضة والعباءات العربية المزركشة بالخيوط الذهبية والثياب ذات الأكمام الواسعة المطرزة بالخيوط , ولم تلبث ملابس الفرنجة أن أضحت من الفخامة والأبهة أن صار لها من الصفة الشرقية ما كان لأثاث دورهم ومنازلهم , إذ حمل الفارس الأوربي عدته وسلاحه وارتدي برنسا من الحرير وقلد العربَ والمسلمين أيضا في لبس العمامة وفي ارتداء سترة من الكتان فوق درعه لوقاية الزرد من حرارة الشمس المحرقة في الصيف وذلك عند خروجه للقتال , ولبس الكوفية بدل الخوذة .كما لبست السيدة الفرنجية القميص الطويل والسترة القصيرة الموشاة بخيوط الذهب والمزينة بالجواهر. تقول زغريد هونكة :" لبس الأوربيون في عصر الحروب الصليبية الملابس العربية المصنوعة من أقمشة عربية الخلعات , عربية الشكل , عربية الذوق , عربية الاسم , عربية الوطن , وفضلُ العرب على المرأة الغربية في زينتها وأناقتها يتجلى أيضا ليس في ملابسها فحسب بل أيضا في المساحيق والعطور , فشهرة الشرق في البخور والعطور قديمة , ولم تقف وسائل الزينة والتبرج عند النساء تعدتها إلى الرجال , فالرجل المسلم قد اقتدى برسول الله وتزين بإطلاق اللحية ,ثم اتصلت أوربا بالمسلمين في الحروب فأقتبسها الرجال وأصبحت اليوم من العادات المستحبة عند العربيين" 9- فن العمارة و أثاثها : أثر المسلمون في فنون أوربا ولا سيما في فن عمارتها , وأخذ الغربيون من المسلمين أصول فن العمارة والعناصر المعمارية المهمة والزخارف بأنواعها والكتابات العربية والجواسق والأطناف والأبراج وغيرها ،يقول مسيو شارل :" أرى من غير مبالغة فيما لأمة من التأثير في أمته , وذلك خلافا لما يسار عليه اليوم أن الصليبيين الذين شاهدوا ما اشتمل عليه الفن العربي من الشربيات وشرف المآذن والأفاريز أدخلوا إلى فرنسا المراقب والجواسق والأبراج والأطناف والسياجات التي استخدمت كثيرا في العمارات المدنية والحربية في القرون الوسطى" وبالإضافة إلى ذلك قلد الأوربيون المسلمين في أدوات المائدة والأواني الخزفية والنحاسية الرائعة الجمال والمنمقة و الصحون والأطباق والسكاكين المصنوعة من الذهب والفضة والمعادن الثمينة , وتوافرت في هذه المنازل والدور الحجرات الجميلة للنساء وقاعات الاستقبال الواسعة والحمامات الشرقية وجميع وسائل الراحة التي تمثلت في الحضارة الشرقية , وقد فرشت تلك المنازل بالسجاد والرياش والطنافس وزينت بالأثاث الفاخر 100- فن الطبخ : أخذ الأوربيون من المسلمين فن الطبخ و أنواعه المختلفة ، وأقبلوا عليها إقبالا شديدا بسبب إعجابهم نكهتها ، ولأنها كانت أشهى وألذ من أطعمتهم و خاصة أنواع الأطعمة التي يكثر فيها استعمال السكر و البهارات، وأقبلوا على استعمال أنواع الفطائر والمعجنات والتمر الهندي والذرة الشامية والأطياب و البهارات و الأنواع الأخرى . كما أدخلوا كثيرا من النباتات الشرقية إلى بلادهم مثل البطيخ والثوم والأرز والسمسم والليمون و قصب السكر ، بالإضافة إلى أنواع كثيرة من التوابل والأصباغ والعقاقير الشرقية ، واستخدموا السكر في أطعمتهم. وبالإضافة إلى ذلك أخذ الأوربيون من المسلمين بعض الألعاب الرياضية من ألعاب الجريد والصولجان ، وطرق الصيد المختلفة ، كما استعمل الصليبيون الآلات الموسيقية الشرقية كالعود والأرغن والمزمار والفيتارة والربابة ، وقلدوا المسلمين في الاحتفاء بأعيادهم وأفراحهم وفي حفلات لهوهم وفي مجلس الطرب والشراب عندهم ، وفي الاستماع إلي المغنيات في أفراحهم ، كما استدعوا الندابات في المآتم أيضا. وأخذوا طريقة استخدام الحمام الزاجل لنقل البريد وفن تنظيم الحدائق وطرق الري المختلفة و فنية استعمال الماء المتعددة ويتضح مما مضى أنه بلا ريب كان المسلمون بحق وجدارة أساتذة أوربا في كل شيء حسب كلام سيديو ، ولكني أنا أقول أنهم لم يكونوا أساتذة أوربا فقط بل كانوا أساتذة جميع شعوب و أمم الأرض قاطبة والإنسانية جمعاء . وفي الأخير أود أن أوضح أن هذه التأثيرات ليس مما يقولها المسلمون فقط ويدعون وحدهم ، بل شهد بها الآخرون أيضا من الأعداء والأصدقاء ، وأن هذه حقائق واقعية ملموسة يلمسها كل من درس التاريخ والحضارة ، وأنقل هنا كلام بعض المؤرخين من الغرب الذين شهدوا بهذه التأثيرات القوية واعترفوا بها اعترافا واضحا لا غموض فيه ولا إشكال .يقول غوستاف لوبون :" تخلص النصارى من همجيتهم بفضل اتصالهم بالعرب و اقتباسهم منهم الطبائع النبيلة و مبادئ فروسيتهم التي منها مراعاة النساء والشيوخ والأولاد و احترام العهود و الوفاء بالوعود.". يقول العالم الثبت سيديو : كان العرب يفوقون النصارى كثيرا في الأخلاق و العلوم والصناعات ، وكان من طبائع العرب مالا تراه في غيرهم من الكرم والإخلاص والرحمة ، وكان من طبائعهم التي امتازوا بها في المحافظة على الكرامة مما يؤدي فيه الإفراط إلي المبارزة والشحناء ، و كان ملوك قشتاله ونبرّة على علم من صدق العرب وقراهم، ولم يتردد الكثير منهم في المجيء إلي قرطبة ليعالجهم أطباؤهم المشهورون ، وكان أفقر المسلمين يحافظ على شرف أسرته محافظة أشد الرؤساء صلفا ." يقول بارثلمى سانت هيلير : لقد هذبت طبائع أمرائنا الإقطاعيين الخشنة في العصور الوسطى بفضل علاقتهم وتقليدهم لها، فتعلم أشرافنا وفرساننا رقة العواطف و لين الطبائع و حسن الأخلاق دون أن يفقدوا شيئا من شجاعتهم ، وإنني أشك في النصرانية وحدها كانت تستطيع أن تأتي مثل ذلك التأثير مهما يبالغ في إكرامها . وأكتفي بهذه الشهادات ، وهي شهادة من داخل الأهل ، ولم أذكرها إلا تأييدا وتقوية لموقف المسلمين ، ومنطلقا من المثل الذي يقول والفضل ما شهد به الأعداء ، وإلا التأثيرات ثابتة و واقعية و ملموسة كما قلت ، سواء اعترف بها أحد أو لم يعترف ، أنكرها أحد أو لا ينكرها.


١٠ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page